
الأخبار
افتتحت، يوم الجمعة الماضي بالعيون، أشغال الجمعية العامة السنوية العاشرة لشبكة البرلمانيين الأفارقة لتقييم التنمية، بمشاركة وزراء وبرلمانيين وخبراء وممثلين مؤسساتيين ومن المجتمع المدني، وشركاء تنمويين من مختلف البلدان الإفريقية.
وفي كلمة افتتاح أشغال الجمعية العامة، دعا رئيس مجلس المستشارين، محمد ولد الرشيد، إلى بناء أسس ثقافة تقييمية برلمانية، بالاستناد إلى ثلاث ركائز مترابطة، تعكس الأبعاد التشريعية والتنظيمية والمجتمعية للتقييم، مشددا على أن الحاجة تبرز اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى ترسيخ ثقافة تقييم داخل القارة الإفريقية، باعتبارها ضرورة تنموية ملحة في ظل تفاقم الفجوات التنموية.
وأكد ولد الرشيد أن الركيزة الأولى لبناء أسس ثقافة تقييمية برلمانية تتصل بإضفاء الطابع المؤسسي على وظيفة التقييم، إذ إن «تفعيلها على الوجه الأمثل يستدعي إرساء إطار تشريعي متقدم، وتأهيل المنظومة القانونية المحفزة على ممارسة التقييم وترسيخ الممارسات الفضلى في مجال السياسات القائمة على الأدلة».
أما الركيزة الثانية، حسب ولد الرشيد، فتتمثل في البعد التنظيمي وتعزيز القدرات، مشددا على أن «ترسيخ التقييم كمكون مؤسسي يتطلب إنشاء وحدات برلمانية متخصصة، مزوّدة بالخبرات البشرية المؤهلة، وبالوسائل الكفيلة بضمان الاستقلالية العلمية والمنهجية، والاشتغال وفق معايير واضحة ومراجع منسجمة مع الممارسات الدولية».
وفي هذا السياق، أكد أهمية تعزيز الاستثمار في الذكاء البرلماني، سواء على مستوى المهارات التحليلية أو الكفاءات التقنية والاجتماعية والترابية، باعتباره استثمارا مباشرا في جودة القرار العمومي، وفي شرعية العمل البرلماني، وفي ثقة المواطنين بمؤسساتهم.
وبخصوص الركيزة الثالثة فإنها تتجلى، حسب المتحدث، في جعل التقييم فضاء مشتركا، منفتحا على المجتمع بكل مكوناته، ذلك أن التقييم البرلماني لا يمكن أن يظل ممارسة مغلقة داخل المؤسسات، بل يجب أن يستفيد من خبرات المجتمع المدني، والجامعات، ومختلف الفاعلين، بما يعزز أثره ويربط نتائجه بالواقع المعيش والحاجيات الفعلية للمواطنين.
ويرى ولد الرشيد أن تقييم التنمية أضحى ركيزة استراتيجية لترشيد القرار العمومي، بالنظر للتحولات التي تشهدها الأدوات والمنهجيات والمعايير الدولية في هذا المجال، لا سيما تلك المعتمدة من قبل لجنة المساعدة الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وأضاف أن التقييم لم يعد يقتصر على قياس النتائج أو تتبع مؤشرات التنفيذ، بل أضحى يمتد إلى فحص جدوى السياسات، ومدى انسجامها مع الأولويات الوطنية واحتياجات المواطنين، والتحقق من اتساق اختياراتها، وفعالية تدخلاتها، وكفاءة استخدام مواردها، فضلا عن تقدير أثرها الفعلي واستدامة نتائجه.
ولفت إلى أن هذه الحاجة تتعزز بالنظر إلى الطموحات التي تعبر عنها دول القارة من خلال مختلف منظومات التخطيط والتنمية، سواء عبر الاستراتيجيات الوطنية لمحاربة الفقر، أو من خلال النماذج التنموية الجديدة، أو في إطار أجندة 2063 للاتحاد الإفريقي.
وشدد على أن تطوير التعاون البرلماني الإفريقي في مجال تقييم التنمية يندرج في صلب التوجه الذي تبنته المملكة المغربية في علاقتها بالقارة، والمبني على تعزيز العمل المشترك، وتثبيت منطق الشراكة القائمة على المنفعة المتبادلة واحترام الأولويات الوطنية.
وذكر المتحدث عينه في إطار هذه الرؤية، أن المغرب اعتمد، من خلال توجيهات الملك محمد السادس، سياسة متكاملة تجعل من الارتقاء بالقدرات الإفريقية مسارا استراتيجيا، سواء عبر دعم المبادرات الإقليمية، أو من خلال المشاريع الاقتصادية والاجتماعية التي تعزز الاندماج وتفتح آفاقا أوسع للتعاون جنوب–جنوب.
وأكد بهذا الصدد أن انعقاد أشغال هذه الجمعية العامة في المغرب، وفي قلب الأقاليم الجنوبية، يكتسي دلالة خاصة، لافتا إلى أن «نقاشنا حول تقييم التنمية، يجد في هذه الربوع ترجمته العملية والملموسة، باعتبارها نموذجا واضحا لما تنتجه السياسات التنموية حين تُبنى على رؤية استراتيجية وتُواكب بأدوات دقيقة للتتبع والتقييم».
وأوضح أن الأوراش المهيكلة التي تعرفها مدن الجنوب، كالشبكة المتنوعة للموانئ، وفي مقدمتها ميناء الداخلة الأطلسي، والميناء فوسبوكراع الجديد بالعيون، والشبكات الطرقية الكبرى، كالطريق السريع تيزنيت–الداخلة، ومشاريع الطاقات المتجددة، والهيدروجين الأخضر، والمشاريع الكبرى لتحلية مياه البحر، تعزز مكانة هذه الأقاليم وتفتح آفاقا واسعة للتنمية المستدامة.
وتابع محمد ولد الرشيد بأن هذه الدينامية تتعزز بالمبادرات الاستراتيجية التي أطلقها الملك محمد السادس، على غرار مبادرة إفريقيا الأطلسية، ومشروع أنبوب الغاز نيجيريا–المغرب، مؤكدا أنها «مشاريع لا تجسد فقط استثمارات بنيوية، بل تعبر عن تصور متكامل للتنمية بوصفها مشروعا إفريقيا مشتركا، يستند إلى التقييم المستمر، ويربط الأثر المحلي بالبعد القاري».





