الرأي

انقلاب في حالة شرود

حسن البصري
أول انتصار حققه المنتخب المغربي خارج البلاد تم مساء الأحد بالعاصمة الغينية كوناكري، جاءت الخطة من الرباط وعهد لسفير المغرب في غينيا بتنفيذها، وقبل أن يستوي الكولونيل مامادي دومبويا على كرسي الزعامة بعد أن وضع الرئيس ألفا كوندي في الأسر و«حل» مؤسسات الدولة من قبل ضباط من القوات الخاصة، كان أسود الأطلس في جوف الطائرة.
نجا لاعبو المنتخب من الاحتجاز وعادوا إلى المغرب سالمين، بينما ظل المدرب وحيد حاليلوزيتش يستعيد شريط حرب البوسنة التي نجا فيها من موت محقق، وقال لأحد الإداريين إنه حمل السلاح دفاعا عن بني جلدته في البوسنة لكنه حمله بشكل خاطئ فأصيب برصاصة في إحدى كليتيه لازال يعاني من تبعاتها.
الرجل الذي حمل السلاح بشكل معكوس أصبح مدربا للمنتخب، وكتب له أن يعيش ساعات تحت رحمة الرصاص، في جحيم بالعاصمة الغينية، يا للصدف الماكرة.
في غينيا كوناكري عاش المدرب المغربي لحسن البوسنيني، الذي قضى نصف عمره مدربا في دول جنوب الصحراء، عايش عددا من الانقلابات التي تأرجحت نتائجها بين الانتصار والهزيمة والتعادل، لكن في جميع الحالات كانت فاتورة الأرواح مكلفة.
كان لحسن مدربا للمنتخب الأولمبي الغيني وأشرف على تدريب نادي كالوم ستار الغيني، وقضى ساعات في جحيم العاصمة وأصبح شاهدا على انقلابات كالزلازل تختلف أضرارها حسب سلم «العسكر». لكن أم المفارقات في بؤر الانقلابات أن تحمل ملاعب الكرة أسماء الانقلابيين، وحين تنتهي صلاحيتهم تستبدل بأسماء أخرى.
في سنة 1990 عاشت بعثة الرجاء البيضاوي حالة من الرعب منذ أن وصلت إلى ليبيريا لمواجهة فريق مايتي بارول في فريتاون، كان صوت الرصاص يملأ المكان، وكان المدرب الجزائري رابح سعدان يحث لاعبيه على التحلي بالشجاعة ويبحث مع رئيس الوفد والسفير إمكانية العودة إلى المغرب أحياء لا يرزقون، قبل أن يصل قائد الانقلاب ويصدر أمرا بإجراء المباراة ويلزم عميدي الفريقين بحمل صورته في ما يشبه الترويج الرياضي.
انهزم الرجاء وتأهل للدور الموالي بفارق الأهداف، وظل اللاعبون يتوسلون للحكم كي ينهي المباراة مهما كانت النتيجة، بعد أن تبين أن عدد البنادق يتجاوز عدد المتفرجين.
ليست الفرق والمنتخبات هي التي كانت شاهدة على زمن الانقلابات، فالحكام المغاربة ومندوبو المباريات في القرة الإفريقية عاشوا رعب الانقلاب بتفاصيله الصغيرة، وظلوا تحت رحمة الرصاص إلى أن نجحت الديبلوماسية في تليين مواقف حملة السلاح.
عاش العضو الجامعي السابق محمد مفيد أهوال الانقلاب، حين عينه الاتحاد الإفريقي مندوبا لمباراة في نواكشوط شهر دجنبر 1984، عندما أطاح انقلاب عسكري بالرئيس الموريتاني محمد خونة ولد هيدالة، قاده صديقه العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، قضى مفيد ساعات في الجحيم قبل أن يتبين له أن التوسل للانقلابيين لا يفيد.
في سيناريو مماثل قدر لحكم دولي مغربي أن يقضي ساعات رفقة السلاح والقمر في حديقة فندق بطرابلس، يوم الغارة الأمريكية على ليبيا في أبريل 1986، لم تنفعه صفارته في إشعار باقي نزلاء الفندق بسيل القنابل التي تساقطت على المدينة، وفوض أمره لله.
كاد المغرب أن يحرم من اللقب القاري اليتيم الذي في حوزته، ففي شهر فبراير 1976، تلقت الخارجية المغربية أخبارا غير سارة من إثيوبيا التي كان فريقنا الوطني يستعد للسفر إليها، حيث قتل الإمبراطور الإثيوبي هيلاسيلاسي من طرف انقلابيين ودفنت جثته تحت مرحاض القصر الرئاسي. استبد الرعب باللاعبين وأصبحت الدورة فوق كف عفريت. قبل أن يبعث الرئيس الجديد منجستو هيلا مريام رسائل تطمئن الوفود الإفريقية على سلامة الوضع.
ظل هاجس القلق يخيم على البعثة المغربية، ولحسن الحظ أن رئيسها كان عسكريا اسمه الكولونيل المهدي بلمجدوب، الذي تكلف بالخطة الأمنية وكلف المدرب ماردريسكو بخطط الانتصار.
في إفريقيا تغير الفرق مدربيها بنفس السرعة التي يغير فيها العساكر حكامهم، وفي الحالتين تظل النتائج دون مستوى تطلعات الشعوب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى