شوف تشوف

الرأي

بترول مبديع وحزمة الملايير الثمانية

في المغرب لم نعد نحتاج إلى كُتاب السيناريو أو إلى كُتاب النصوص المسرحية، فالسياسة ورجالاتها ملآ الفراغ واختلت الموازين وأصبح وزراء حكومتنا نجوما فوق العادة في سماء الدراما. وفي الوقت الذي كان الوزير الحسين الوردي يعطي الدروس للوفود الأجنبية عما وصل إليه قطاع الصحة بالمغرب، خلال المؤتمر الدولي لطب المستعجلات بمراكش، في اللحظة نفسها كانت سيدة حامل تضع مولودها وسط سيارة أجرة داخل مستشفى محمد الخامس بآسفي، والناس يغطون زجاج السيارة لحجب عدسات الفضوليين.
أما الوزير بوليف فقد دخل التاريخ هو كذلك بعدما تفتقت عبقريته عن إعطاء ندوة صحفية داخل «الكار»، وجهه لـ«الباربريز»، وظهره للصحفيين، يبشرنا بشراء رادارات ذكية لمراقبة السرعة على بعد 20 كيلومترا. ورحم الله ذلك الزمن الذي كان يصعد فيه صناع الفرجة إلى الحافلات يقدمون وصلات غنائية للمسافرين بآلتي «الوتار والطعريجة» طمعا في دراهم معدودة. ومع حكومة بنكيران عشنا وشفنا أن الوزراء يركبون في وسائل النقل ليس للذهاب إلى مقرات عملهم كما يفعل أقرانهم في السويد والنرويج، بل للكلام في الميكروفون وتنشيط المسافرين والترويح عن النفس في تنزيل صريح لسياسة «حديث ومغزل».
وحتى «الطاكسيات» في المدن والقرى لم تعد على عهد هذه الحكومة تؤدي مهام نقل المواطنين، وسيكون على وزير الداخلية محمد حصاد أن يمنح لمهنيي سيارات الأجرة صفة ضباط الحالة المدنية، مع حق التوقيع على عقود الازدياد للمواليد الجدد الذين يفتحون أعينهم داخل «الطاكسيات» عوض المستشفيات العمومية. وسنكون بذلك أول شعب في العالم يتوفر مواليده في خانة مكان الازدياد على عبارة «طاكسي صغير رقم..»، أو «هوندا عبد الرحيم للنقل السريع»، بعدما تخلت مستشفيات الوزير الوردي عن حفظ كرامة النساء الحوامل خلال الوضع، وشاهدنا في آسفي كيف تحولت سيارة أجرة إلى دار متنقلة للولادة وأصبح «الشيفور» يقوم مقام «القابلة».
وقد أحيانا الله حتى اكتشفنا الأسبوع الماضي مع الوزير مبديع «ديال الوظيفة»، تنزيله للمخطط الوحيد الذي استطاع تحقيقه ضمن حكومة بنكيران، تحت شعار «رُب ضارة نافعة»، بعدما نجح في أن يضمن لحكومتنا مدخولا ماليا مربحا ليس من مقالع الرمال ولا من المتملصين من الضرائب أو من عائدات العقار والسياحة وتجارة التبغ والخمور، ولا من تبييض الأموال ولا من الأجور الخيالية للمدربين ولاعبي كرة القدم، بل من الاقتطاع من أجور العمال والأجراء الذين شاركوا في الإضراب العام، حيث زف الوزير مبديع الخبر السار بكون الحكومة ستجني أزيد من 8 ملايير سنتيم من «زكاة الإضراب».. وهكذا أصبحت حكومة بنكيران شركة عابرة للقارات تتفوق على أقوى الشركات النفطية عبر العالم من حيث الأرباح الصافية المحققة في يوم واحد فقط، بدون رأسمال ولا استثمار ولا حتى موارد بشرية وتقنية، «واش كاين شي بير ديال البترول ولا ديال الغاز كايدخل 8 لملاير في النهار؟».
لقد كنا ننتظر من الوزير مبديع، الذي يذكره موقع «ويكيبيديا» بأنه «سياسي مغربي يتقن اللغات العربية والفرنسية والإنجليزية والإيطالية»، أن يطبق الاقتطاع على الأجور السمينة للوزراء والبرلمانيين الذين يتغيبون عن جلسات البرلمان، أو أن يشطب على الموظفين الأشباح، ويقلص من الأجور العليا والتعويضات الخيالية في الوظيفة العمومية، ويقول مع نفسه حين يخلد للنوم في قصور ضيعاته الفلاحية «الله يحسن عون الطبقة العاملة». لكن رئيس بلدية الفقيه بنصالح، كان له مع بنكيران رأي آخر، وأحسن شيء هو أن يضيف إلى سيرته الذاتية ويبعثها لكتاب «غينيس» للأرقام القياسية، بأنه «سياسي مغربي يعود له الفضل في اكتشاف آبار البترول في جيوب الطبقة العاملة ويتقن تحويل عرق جبينها إلى 8 ملايير سنتيم في يوم واحد فقط».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى