حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الافتتاحية

برلمانيو آخر زمان

للمرة الثانية على التوالي يثير الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية في لعبة لتبادل الأدوار قضية سليمان الريسوني بالجلسة العمومية، التي يتم نقلها مباشرة من طرف القنوات العمومية، مرة من طرف النائبة البرلمانية ماء العينين ومرة أخرى من طرف بثينة القاروري زوجة البرلماني عبد العالي حامي الدين.
مبدئيا لا أحد ضد إثارة قضايا عمومية من طرف نواب الأمة، فهذا دورهم الذي انتخبوا من أجله، لكن أن يتم استغلال مؤسسة دستورية للتأثير على اختصاصات مؤسسة دستورية أخرى، فهذا أمر لا علاقة له بوظيفة البرلماني الذي يراقب عمل الحكومة ويقيم سياساتها وينتج القوانين التي يرى أن هناك حاجة لوضعها، ويعدل ما ينبغي تعديله، ويلغي ما يرى أنه لم يعد صالحا لتنظيم سلوك الأفراد والجماعات.
للأسف ابتلينا بنوع من برلمانيي آخر زمان يتركون وظائفهم الدستورية الكبرى ويتحولون إلى مناضلين حقوقيين وصحافيين معارضين ومدونين أشاوس في مؤسسة تشريعية، وبدل أن تتبادل النائبة بثينة القاروري وزميلتها ماء العينين الأدوار في الربع ساعة الأخير من عمر الولاية، وتحاولا لعب دور البطولة أمام قنوات الإعلام العمومي، والظهور بمظهر الذائد عن الحقوق لربح صوت انتخابي أو مجد سياسي زائل على حساب المؤسسات، كان عليهما فقط ممارسة اختصاصاتهما وتقديم تعديل للقانون الجنائي ومساطره لتضييق دائرة السلطة التقديرية للقضاة في مجال الاعتقال الاحتياطي ووضع شروط قانونية لذلك، كان بإمكان النائبتين المطالبة داخل لجنة العدل والتشريع بمهمة استطلاعية لسجن عكاشة للوقوف على حقيقة المعطيات المتداولة بشأن الإضراب عن الطعام، لا تكوين قناعة سياسية من تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي.
كان بإمكان فريق البرلمانيتين المطالبة باستثمار قضية الريسوني وتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في موضوع الاعتقال الاحتياطي الذي يهم حوالي 40 ألف متهم وليس معتقلا واحدا أو اثنين، وحزبهما يتوفر على النصاب القانوني لفعل ذلك، وكان بالإمكان استدعاء المندوب العام للسجون محمد صالح التامك كمسؤول عمومي في إطار الفصل 102 من الدستور لمساءلته، كانت أمام نواب الحزب الحاكم خيارات دستورية وقانونية تسمح لهم بمناقشة الموضوع بقواعده المؤسساتية.
لكن لا شيء من ذلك حدث، واختار نواب البيجيدي الأسابيع الأخيرة من عمر البرلمان لكي يحولوه إلى منصة دستورية لتصفية الحسابات السياسية مع القضاء والقضاة الذين يحكمون بنصوص عمياء صماء لا تنطق ولا تكثرت لرهانات وحسابات السياسيين.
والمثير للسخرية في الأمر أن حزب العدالة والتنمية الذي يطالب من داخل قبة البرلمان القضاء باحترام القانون والحكم في أجل معقول، هو الحزب ذاته الذي يطلب من وزير الداخلية التدخل لدى القضاء لتأجيل النظر في قضايا منتخبيه المعروضة أمام المحاكم والسماح لهم بخوض الاستحقاقات المقبلة.
في الحقيقة ليس هناك من رد تجاه هاته البهلوانية من ممثلي الأمة سوى ما قاله الرئيس المنتدب للسلطة القضائية محمد عبد النباوي ذات يوم مخاطبا البرلمانيين بالقول إن احترام استقلال السلطة القضائية لا يتأتى، فقط، بعدم التدخل في أحكام القضاة ومقرراتهم، وإنما كذلك بالكف عن تناول الشأن القضائي خارج سياق الدستور في نقاشات أعضاء البرلمان، لأن الدستور لا يسمح للمحاكم بالتداول في مناقشات البرلمان ولا الخوض في مهامه الدستورية، إلاَّ في حدود ما تسمح به القوانين في ظروف محددة كالطعون الانتخابية، أو في حالة ارتكاب بعض المخالفات الجنائية مثلا.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى