
حسن البصري
حين كنا صغارا نرتع في الفضاءات الفارغة لحي سباتة وسيدي عثمان، كانت تخترق أسماعنا أهازيج يافعات الحي وهن يرددن في ألعابهن ومسامراتهن، مقطعا من كشكول أغان لم نفهم مغزاه إلا بعد أن اشتد عودنا وزحف الإسمنت على حينا.
كانت البنات يرددن في كورال جماعي أنشودة: «واحد جوج ثلاثة با مشى لسباتة شرا ليا قميجة أنا واختي خديجة»، بعد مرور الأيام سنفهم أسباب النزول وسنقتنع بأن التسوق يتم من قيسارية الحي العتيقة.
سنكبر دون أن نفهم سر إصرار الوالد على اقتناء قميصين للابنة وشقيقتها خديجة، فقط دون غيرهما من أفراد الأسرة. وسنفهم لاحقا بأن الكساء للذكور كان في المناسبات والأعياد فقط.
سنكبر بين ثالوث المدرسة والملعب والبيت، وسنكتشف أن العيطة تبنت بدورها جانبا آخر من ذاكرة هذا الحي، فأشادت ببناته وقالت فيهن مقطعا شهيرا «بنيات سباتة الزين والثباتة»، قبل أن تصبح هذه اللازمة صالحة لكل الأحياء.
حين ظهر فريق سبورتينغ سباتة في الساحة الكروية، وتمكن من إنهاء احتكار العسكريات للكرة النسائية، تبين أن ربط سباتة بقيسارية فيه نوع من الغبن، وأن ملعب «با محمد» أصبح فضاء لتسوق الأقدام الكروية الناعمة.
حين كانت لاعبات فريق «سبورتينغ سباتة» يصنعن الحدث في ملاعب كوت ديفوار، ويركبن صهوة منصة التتويج القاري، التفت الآباء إلى بناتهم واختبروا شهية الكرة في دواخلهن، أملا في إهداء موهبة كروية تتحول إلى سجل تجاري ينتشل العائلة من تعادلها مع الزمن.
في ملعب «با محمد» ماتت الكثير من المواهب دون أن يلتفت إليها كبار المدربين، لهذا سنعرف لماذا أقيم الملعب بجوار مقبرة سباتة.
لكن هناك أسماء قدمها الحي بسخاء للمنتخب الوطني وللوداد والرجاء وأشهر فرق البطولة الوطنية لكرة القدم، من بينهم: بينيني ومجاهد وزهيد والزموري وضعيف والصديقي وبوبكري وخاليف وجرموني وإيراوي وياجور وناطر وصابر وحيمودي وبدوي واللائحة طويلة، بل إن رشيدة ذاتي حارسة الأختام ووزيرة العدل السابقة في الحكومة الفرنسية، لا تتردد في إجراء حصص الركض في ملعب «با محمد» بعد أن تزور قبر والدتها في المقبرة المجاورة.
لم يعد أبناء سباتة الأولون يفتخرون بالرعيل الذكوري، حين لاح طيف الفريق النسوي، ولم يعد فتح سباتة ممثلهم الوحيد في الوجاهة الكروية، بل أصبح ملعب «با محمد» قبلة للفتيات اللاهثات وراء النجومية.
صحيح أن الملعب لا يوفر لوصيفات بطل إفريقيا الحد الأدنى من الكرامة، في غياب غرفة لتغيير ملابسهن وفضاء للاسترخاء والتركيز، لأن أشغال صيانة الملعب متوقفة منذ ثماني سنوات، لكنه يعد ذاكرة للرياضة في منطقة تصر على أن يحمل ملاعبها أسماء حراسها من «با محمد» إلى «با حماد».
للتاريخ فإن «سبورتينغ» الدار البيضاء لم يولد من عدم، بل هو امتداد لفريق نسوي كان يحمل اسم «فتيات ابن امسيك»، استهوى يوما المطربة الداودية حين كانت لاعبة في فريق منافس بسيدي عثمان.
لم يكن لفتيات ابن امسيك مال يكفي لتدبير فريق تنافسي، فرفعن الراية البيضاء، قبل أن يشتري النادي رئيس جديد أقدم على تغيير جلده ودفتر حالته المدنية، وسيحمل الفريق اسم «سبورتينغ» وسينعم بسخاء الجامعة وعطفها على الأقدام الناعمة، وبنعمة «الكاف» التي لا تنقطع.
ترأس الفريق ربان طائرة من عائلة عكاشة التجمعية، وكان يقود الطائرة حين تحمل في جوفها لاعبات الفريق في رحلات داخلية، ومع مرور الأيام تبين أن «سبورتينغ» سيحلق في أجواء البطولات بلونه السماوي الفاتح.
لكن سؤالا محيرا ظل يجثم على أنفاس اللاعبات وساكنة الحي:
لماذا تحرم وصيفات بطل إفريقيا من حمل قميص المنتخب الوطني؟




