
النعمان اليعلاوي
يتواصل الجدل حول وضعية مربيات ومربي التعليم الأولي في المغرب، بعدما نظم المئات منهم وقفة وطنية ممركزة أمام مقر وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالرباط، في خطوة احتجاجية جديدة تعكس حجم الاحتقان داخل هذا القطاع الحيوي الذي يعيش منذ سنوات على وقع الهشاشة وغياب إطار قانوني واضح. وجاءت الوقفة، التي دعت إليها التنسيقيات الوطنية الممثّلة للعاملين في التعليم الأولي، للاحتجاج أمام الوزارة الوصية للمطالبة بالإدماج الفوري في أسلاك الوظيفة العمومية، وإنهاء نموذج التدبير المفوض للجمعيات الذي تقول التنسيقيات إنه عمّق هشاشة العاملين وفتح الباب أمام تجاوزات متعددة.
ويؤكد المحتجون أن وضعهم أصبح غير قابل للاستمرار، سواء على مستوى الأجور التي تعتبر «هزيلة» مقارنة بحجم المسؤوليات التربوية الملقاة على عاتقهم، أو من حيث غياب الضمانات القانونية التي تكفل الاستقرار المهني والاجتماعي. ويشدد العاملون في القطاع على أن الجمعيات التي أُسند إليها تدبير التعليم الأولي «تخرج في الكثير من الأحيان عن الفلسفة الأصلية للإصلاح» وتتعامل مع المهنة بمنطق تجاري أكثر منه تربوي، في غياب مراقبة فعالة من الوزارة الوصية، وهو ما ينعكس، حسب تعبيرهم، على جودة الخدمات المقدمة للأطفال وعلى الحقوق المهنية للعاملين.
ويطالب المحتجون بسنّ قانون إطار ينظم القطاع بشكل واضح يحدّد المهام والمسؤوليات وشروط التشغيل والأجور، ويضع حداً للفوضى الناتجة عن تعدد الصيغ التدبيرية وتفاوت شروط العمل بين جهة وأخرى، مؤكدين أن التعليم الأولي ليس مجرّد خدمة تكميلية بل ركيزة أساسية في بناء المدرسة المغربية الجديدة التي تراهن عليها الدولة لتقوية المهارات الأولية لدى الأطفال وتحسين جودة التعلمات. وفي هذا السياق، يؤكد العاملون أن غياب إطار قانوني موحد جعل وضعهم المهني «ضبابياً»، وفتح المجال أمام حالات طرد تعسفي وتأخر في صرف الأجور يصل أحياناً إلى أشهر، وهو ما يتعارض مع التوجهات الرسمية الرامية إلى النهوض بالتعليم الأولي ورفع نسب التمدرس في سن مبكرة.
ويعتبر المحتجون أن الحل الوحيد القادر على معالجة هذه الاختلالات يتمثل في إدماجهم تدريجياً في أسلاك الوظيفة العمومية ضمن النظام الأساسي الجديد لموظفي وزارة التربية الوطنية، وهو مطلب يقولون إنه لا يقبل التأجيل، خاصة أن الوزارة سبق أن تحدثت في مناسبات سابقة عن إدماج تدريجي، دون أن يتحقق ذلك فعلياً. ويؤكد ممثلو النقابات أن استمرار الوزارة في نهج «الصمت» تجاه الملف لن يؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان، مشيرين إلى أن المرحلة المقبلة ستعرف أشكالاً نضالية أكثر تصعيداً إذا لم يتم فتح حوار جدي ومسؤول.
ويأتي هذا التصعيد في وقت يراهن المغرب على إصلاح شامل للمنظومة التربوية، يضع التعليم الأولي في صلب أولوياته، ما يجعل استمرار الوضع الحالي للعاملين في هذا القطاع أحد أبرز التناقضات التي تُضعف الإصلاح. ويأمل مربيات ومربو التعليم الأولي أن يتم إدراج ملفهم ضمن الأولويات الحكومية في الفترة المقبلة، وأن يشكل الاحتجاج الحالي نقطة تحول تدفع نحو معالجة جذرية لقطاع يصفه المتابعون بأنه «حساس ومفصلي»، ولا يمكن تركه رهينة هشاشة اجتماعية ومهنية تتنافى مع الطموحات الإصلاحية المعلنة.





