
محمد سليماني
بدأ منذ أسابيع بعدد من موانئ الصيد البحري بالأقاليم الجنوبية تضييق الخناق على التجار الصغار للأسماك السطحية، والذين يشترون الأسماك من المراكب مباشرة في إطار ما يعرف لدى العاملين في القطاع بـ “الفقيرة”.
ويقصد بهذه العملية، قيام عدد من تجار الأسماك الصغار باقتناء كميات مهمة من الأسماك من المراكب مباشرة في حوض الرسو، أي قبل دخول المصطادات إلى سوق السمك. وكانت هذه العملية منتشرة بكثرة منذ مدة بعدد من موانئ الصيد البحري، حيث يعمل عمال ومجهزو مراكب الصيد البحري ببيع كميات مهمة من المصطادات إلى تجار صغار مباشرة من المركب، تحت مبرر أن هذه الكميات التي تُرَوَّج ضمن ما يسمى “الفقيرة” هي المصطادات السمكية التي تفوق الكمية المرخص بصيدها، لذلك كان يتم تصريف تلك الأسماك مباشرة.
وقد عرفت هذه الظاهرة تناميا كبيرة، حيث تحولت من معناها الحقيقي الذي كان في بداية ظهورها مرتبطا بصدقة أو زكاة يؤديها البحارة مجانا إلى الفقراء الذين كانوا في الموانئ، حيث يقومون بالتصدق بكميات من الأسماك إلى هؤلاء الفقراء، قبل إفراغ المراكب، وبيع المصطادات في سوق “الدلالة”، إلا أن هذه الظاهرة تحولت في الآونة الأخيرة إلى نشاط تجاري مربح تحت غطاء “الفقيرة” التي أضحت بمقابل.
ويفضل عدد من أرباب مراكب الصيد البحري اللجوء إلى بيع جزء من المصطادات ضمن “الفقيرة”، وذلك من أجل تخفيض كميات الضرائب الواجب اقتطاعها لهم عن كميات الأسماك المصطادة والمروجة بسوق السمك، ثم إبعاد شبهات صيد كميات فوق المرخص بها لهم، وبالتالي إبعاد أي عملية تغريم قد تطالهم، ثم من جهة أخرى فإن عملية “الفقيرة” تمكنهم من الحصول على مستحقاتهم المالية في عين المكان، ودون تأخير مقارنة بعملية ترويج الأسماك بالسوق، حيث ينتظرون لأيام حتى تُحَوّل مستحقاتهم إلى حساباتهم البنكية، وهو أمر يرفضه عدد من البحارة.
وما يشجع على انتشار ظاهرة “الفقيرة” بعدد من موانئ الصيد البحري، عدم التصريح بالكميات الحقيقية من المصطادات من قبل المجهز أو ربان المركب، وغياب المراقبة المشددة واللصيقة بحوض الرسو والوقوف الميداني على كل مركب عاد من رحلة صيد حتى يفرغ كل حمولته ودخولها إلى سوق بيع السمك، ثم قلة الأطر العاملة بمندوبيات الصيد البحري المكلفة بالمراقبة، حيث يصعب عليها مراقبة مراكب كل مرة على حدة، خصوصا إذا عادت العديد من هذه المراكب من رحلات الصيد في فترة متزامنة.
و قطعت وزارة الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات – قطاع الصيد البحري، الشك باليقين بخصوص ممارسة تجارة الأسماك ضمن ما يصطلح عليه بـ “الفقيرة” داخل الموانئ، حيث اعتبرت الأمر شكلا من أشكال التهرب من الالتزامات القانونية في ما يتعلق بالتصريح بالمصطادات والرسوم المستحقة عنها. وكشف محمد صديقي الوزير الوصي على القطاع في جواب على سؤال كتابي في هذا الإطار أن “الفقيرة أصبحت ذريعة لتهريب كميات مهمة من المصطادات حفاظا على الحصص الفردية المحددة سلفا لسفن الصيد، الشيء الذي يجعل ممارسة هذا النوع من النشاط يساهم بشكل مباشر في تبديد الثروات البحرية، كما أن لها تداعيات سلبية تضر بالمكتسبات الاجتماعية للبحارة لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي”.





