حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرفسحة الصيف

جورج ستيفنسون.. منجميٌّ اخترع القطار

  تلك الاختراعات التي نحيا بها

 

شهد تاريخ الاختراعات والابتكارات العلمية قصصا طريفة ومذهلة. قصص سجلت لنا تاريخ رجال ونساء اقتحموا مجال المجهول مكتشفين ومغامرين أحيانا، سنَدُهم الإيمان الشديد بأفكارهم الجريئة وعزمهم القوي على تحقيقها مهما كلّفهم الأمر من تضحيات جسام وصراعات قوية في مواجهة ذواتهم وعصرهم. هذه الاختراعات التي نحيا بها اليوم وتكاد أن نألفها وأن نعتبرها أنّها كانت دائما موجودة بيننا منذ أن كان الإنسان. قد يكون من الوفاء أن نعود إلى أصحابها وإلى هذه الاختراعات التي ما زلنا نحيا بها اليوم.

                 جورج ستيفنسون.. منجميٌّ اخترع القطار

                                     (17)

      

لم يحظ الإنجليزي جورج ستيفنسون (1781-1848)George Stephenson   عمليا بأيّ تعليم مدرسي منتظم. حياته كلها مرتبطة بمنجم الفحم الحجري حيث يعمل أبوه في مضخة المياه، في أوقات فراغه كان يقضيها في رعي الأبقار مقابل القليل من المال. لمّا كبر عمل في قيادة الخيول التي تجرّ الرافعة الموضوعة فوق سكك حديدية لاستخراج الفحم من المنجم. تمّ اختياره مسؤولا عن صيانة وتشغيل آلة الضخّ وهو ما زال يافعا لم يتعد بعد السابعة عشر من عمره. بدأ اهتمامه بهندسة الآلات أثناء صيانتها وتنظيفها وأحيانا إصلاحها. في الثامنة عشرة من عمره شرع في تعلّم القراءة و الكتابة والتزوّد بالكتب و المراجع العلمية التي في نطاق اهتماماته الهندسية وبرزت مواهبه في إصلاح الآلات البخارية وتطوير إمكانياتها حتى عيّن رئيس الميكانيكيين في المنجم ما جعله يشكّل فخرا واعتزازا لدى والده. تزوج جورج ستيفنسون مبكرا وأنجب ابنه روبرت الذي قيّد له أن يصبح مهندسا عظيما و شريكا أساسيا في اختراعه للقطار. في مطلع حياته كانت تراوده فكرة الهجرة إلى أمريكا بسبب سوء أوضاعه المعيشية ولإقدام الكثير من أصدقائه و معارفه على الهجرة، لكن حرصه على تعليم ابنه روبرت تعليما جيّدا وفكرة اختراعه البسيطة في ذهنه والتي استمدّها من حياته السابقة في المناجم، وهي تحويل العربات التي تجرّها الخيول فوق السكك الحديدية في المنجم بالطاقة البخارية كلّ ذلك حال دون إقدامه على الهجرة إلى أمريكا. في  1814 نجح جورج ستيفنسون في صنع  قاطرته البخارية الأولى والقيام بأوّل تجربة للنقل على السكة الحديدية  في مقاطعة ويلز الجنوبية بإنجلترا واستخدمها في جرّ عربات مليئة  بالفحم  بسرعة 10 كيلومترات في الساعة أطلق عليها النّاس اسم الأحصنة الحديدية.

أوّل قطار وأوّل سكة حديدية في العالم

شهدت هذه المحاولات الأولى والمبكرة لصنع القطارات وتشييد السكة الحديدية، التي قام بها جورج ستيفنسون شهرة كبيرة خارج إنكلترا وامتدت إلى الكثير من البلدان في أوروبا وأمريكا، وانطلق سباق محموم بين المخترعين على رأسهم المهندس السويدي جون إريكسون (1803-1889) John Ericsson الذي انتقل إلى إنكلترا وعمل بسرعة كبيرة على تصميم وتركيب القاطرة البخارية التي أطلق عليها اسم (نوفيلتي). كانت هذه القاطرة التي اخترعها إريكسون مصنوعة بطريقة جميلة وبأداء متقن وقد عدّها العديد من المستخدمين على أنّها هي المفضلة على غيرها من الأنواع. قبل افتتاح أوّل خط سككي في إنكلترا أجريت مسابقة رصد لها مبلغ 500 جنيه استرليني وهو مبلغ كبير في ذلك الزمن ولسوء حظه أو ربّما كان ذلك من حسن حظ منافسه جورج ستيفنسون أنّ جزءا حيويا من قاطرة جون إركسون أصابه التلف ونالت منه أعطاب مفاجئة غير متوقعة ولم يتسن له اصلاحه في الوقت المناسب. فكانت قاطرة الإنجليزي جورج ستيفنسون المسماة (روكيت/الصاروخ) هي الفائزة في المسابقة وبالتالي نال شرف تأسيس أوّل سكة حديدية في إنكلترا وفي العالم، واعتبر بصفة نهائية مخترع القطار الذي يسير بالطاقة البخارية. لم يكن هذا الإخفاق المؤقت ليحبط عزيمة إريكسون  فقد قام إريكسون بتحويل نظره إلى صناعة سفينة تعمل بالطاقة البخارية، وقد ظهرت في تلك الفترة نماذج للسفن البخارية خاصّة في أمريكا تسير بواسطة دولاب دوّار يوضع في مؤخرة المركب يعمل على دفع الماء بواسطة مجاذيف تغرق داخل المياه مثل ناعورة لتعمل على دفعها إلى الأمام، غير أنّه للأسف تعتريها الكثير من النواقص فلم تنجح سوى في الأنهار لأنّها لا تملك قوة دافعة، ولا يمكن تحويلها إلى سفينة حربية لأنّها مكشوفة ومن الممكن إصابتها بسهولة. فكرة جون إريكسون هي استعمال دافعة لولبية أو مروحة دقيقة الصنع أسفل السفينة البخارية الدوارة وحصل على براءة الاختراع فيها في سنة 1836.

               ستيفنسون الأب الشرعي للقطارات الحديثة

شهد قطار ستيفنسون إقبالا كبيرا من لدن المناجم فانهالت عليه الطلبات وبدأ في تصنيعها و توسيع مصنعه في مدينة نيوكاسل و مدّ أوّل خط للسكّة الحديدية لمسافة 40 كيلومترا بين ستوكتون ودارلنغتون ودائما لنقل الفحم الحجري، فلم تكن فكرة نقل المسافرين واضحة في أذهان الناس في تلك الفترة، ولكن سرعان ما تبيّن أنّه مفيد أيضا لنقل الركاب. أثناء انشغال ستيفنسون رفقة ابنه رويرت بخط حديد “ستوكتون ـ دارلنغتون” فكّر بعض رجال الأعمال في منطقة لانكشير، في بناء خط بين مدينة مانشستر وميناء ليفربول، لنقل المواد الخام اللازمة للصناعات القطنية بين المدينتين وصادراتها من المنسوجات الجاهزة، ورغم تحمّس رجال الصناعة إلاّ أنّ أصحاب الأراضي لم يوافقوا على إنشاء خط للسكة الحديدية، وتقدموا بشكوى إلى البرلمان البريطاني ودارت مناقشات حامية انتهت بتصديق الحكومة على بناء خط السكة الحديدية، كما وافق ستيفنسون على تولي إدارة المشروع، فقام بمدّ 50 كيلومترا من الخطوط المزدوجة، واستمر المشروع لمدة أربعة أعوام بنى خلالها 63 جسرا، وحفر نفقا على عمق 30 مترا لمسافة ثلاثة كيلومترات. وتمّ افتتاح خط “ليفربول ـ مانشستر” يوم 15 سبتمبر 1830، كأوّل خط يستخدم فيه قطار يعمل بالطاقة البخارية لنقل البضائع، وأوّل خط لنقل الركاب المسافرين في العالم. وبذلك، يعتبر جورج ستيفنسون الأب الشرعي للقطارات الحديثة البخارية و الكهربائية… التي شملتها تطورات كثيرة من حيث السرعة والمسافات التي تقطعها، وتوسعت شبكات القطارات في العالم حتّى صارت من أهم وسائل المواصلات في عصرنا الراهن وأكثرها استعمالا،  كما يعتبر جورج ستيفنسون إضافة إلى ذلك مصمم مقياس السكك الحديدية المستخدم عالميا، ويعرف أحيانا باسم مقياس ستيفنسون. أخيرا تجسّد لنا حياة ستيفنسون قصّة مثالية للنجاح و الانتقال من الفقر إلى الثروة، من راعٍ للأبقار ومنجميّ إلى أحد أعظم المخترعين في العالم.

 

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى