الافتتاحية

حرب على القضاء

حالة من الهستيريا السياسية أصابت حزب العدالة والتنمية خلال أولى جلسات محاكمة عبد العالي حامي الدين، المتابع بتهمة المشاركة في القتل العمد، دفعت وزراء سابقين ورؤساء جهات وبرلمانيين ورؤساء جماعات ومدراء مركزيين إلى تعطيل كل انشغالاتهم وواجباتهم، للتفرغ لتقديم الدعم السياسي وراء رئيس الحكومة السابق، الذي ترك عباءة واجب التحفظ كرجل دولة في دولاب بيته بالليمون، ليطلق العنان لقفشاته «الحامضة»، التي يعتقد واهما أنها ما زالت تحقق نوعا من «البوز السياسي».
ويحق لنا أن نتساءل عن سر هذا الإنزال السياسي المكثف وكواليس الضغط السياسي على القضاء في مثل هذا التوقيت، هل مثل هذا التجييش السياسي الذي يقوده رئيس حكومة سابق ووزراء سابقون وبرلمانيون من أجل قضية فرد، وما إذا كان الأمر يتعلق بخطة مدروسة لتوجيه رسائل إلى من يهمه الأمر، حتى لا يفكر مستقبلا في الوقوف أمام أهداف الحزب الحاكم لفرملتها؟
فالحزب الحاكم من خلال إنزالاته السياسية واستعراضه لقوته التنظيمية وتباهيه بتوكيل 100 محام للدفاع عن المتهم لا تعني قناعتهم ببراءة أخيهم، الذي تعهد بنكيران بعدم تسليمه إلى القضاء فانتهى بتسليمه إلى المحكمة صاغرا، بل يمكن قراءتها كتصرف ناتج عن تخوفهم من إدانته واستباقهم لها، فهم بهذا التجييش يريدون استباق نتائج التحقيق وطمس الحقيقة وشرعنة الإفلات من العقاب. فالحزب يشعر في قضية حامي الدين بأنه مهدد بالقانون وبأن الأرض تميل تحت أقدامه، ولذلك كان من أهداف هاته الفرقعة تخفيف الضغط على مريديه، وإظهار شراسته في الدفاع عنهم، مهما كانت جرائمهم ومهما ارتكبوا من خروقات للقانون، لأن منطق الجماعة والقبيلة السياسية عندهم فوق البنود والمدونات القانونية.
فحزب العدالة والتنمية الحاكم التجأ إلى حرب سياسية وإعلامية قذرة ومنظمة شنها ضد المؤسسة القضائية، بعدما أيقن أن معركته القانونية خاسرة، وأن شعبيته السياسية في الشارع المغربي أصبحت تتعرض للكثير من التقلص والانكماش. ولم يعد يجد أي مساندة لأفكاره من جانب أي تيار سياسي، سواء داخل الأغلبية أو المعارضة، فقرر تصدر مشهد التشكيك في المؤسسات، وفي الآن نفسه العمل من داخلها وفق خطة تبادل الأدوار التي يتقنها الإسلاميون جيدا.
لقد أظهرت حالة التجييش وهستيريا الإنزالات أننا أمام جماعة سياسية مغلقة وليس حزبا مدنيا، جماعة لا يهمها القانون ولا يقلقها خرق واجبات التحفظ والإيمان بدولة المؤسسات، التي ينبغي أن يتحلى بها رجل الدولة الحالي والسابق، وأن ما يهمها فعلا هو حماية أفرادها مهما فعلوا.. هم لا يؤمنون بالقضاء المستقل، رغم أنهم بذلوا الجهد المضني لإقناعنا بذلك حينما كان وزيرهم الرميد يدبر أموره، هم غير مقتنعين أن من يخالف القانون الموجود وتتخذ السلطة القضائية في حقه قرارا يجب أن نحترمه، فالقانون الوضعي في عرفهم ينتهي مفعوله وسلطته حينما يمس مصالحهم، التي يحميها قانون الجماعة ونصرة الأخ ولو كان ظالما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى