شوف تشوف

الرأي

حسابات أردوغان في قراءتين

مروان قبلان

استقبل كثيرون بدهشة القرار الذي اتخذه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قبل أيام، طرد عشرة سفراء أجانب، من بينهم سفراء الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وكندا وهولندا. مبعث الحيرة أن القرار لا يطاول فقط دولا كبرى، ذات تأثير سياسي واقتصادي وازن على الساحة الدولية، بل الأهم أن القرار يأتي في وقت تواجه فيه تركيا أزمة اقتصادية حادة، يعكسها انفلات معدلات التضخم التي بلغت 20 في المائة سنويا. كما تأتي الخطوة في ظل انخفاض كبير في سعر صرف العملة التركية.
هناك احتمالان لتفسير قرار أردوغان: الأول، أنه جاء في لحظة انفعالية تغلبت لديه مشاعر الغضب على حساب المصالح، وأن الدول الغربية نجحت في جره إلى فخ من خلال الضرب على وتر حساس بالنسبة إليه، بإثارتها قضية رجل أعمال معتقل منذ خمس سنوات، للاشتباه في علاقته بالمحاولة الانقلابية الفاشلة التي استهدفت الإطاحة بأردوغان عام 2016، ما دفع الرئيس إلى خطوة غير محسوبة تؤثر في وضع الاقتصاد التركي الصعب أصلا، واستطرادا بحظوظ الرئيس وحزبه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لعام 2023.
الاحتمال الثاني، وهو الأرجح، أن أردوغان أقدم على هذه الخطوة بناء على حسابات اقتصادية وسياسية دقيقة.. اقتصاديا، يبدو أن أردوغان يهدف إلى خفض سعر صرف العملة التركية، لأن ذلك يؤدي، برأيه، إلى زيادة قدرة البضائع التركية على المنافسة في الأسواق العالمية، في حين تزداد كلفة البضائع المستورَدة من الخارج، وهي سياسة تقليدية تلجأ إليها الدول عادة لزيادة صادراتها وتخفيض وارادتها وتحقيق التوازن بميزانها التجاري. يريد الرئيس أيضا، على ما يبدو، دفع المودعين إلى إخراج أموالهم من البنوك، وضخها بمختلف قطاعات الاقتصاد، لإيجاد فرص عمل جديدة. لذلك يعمد إلى خفض سعر الفائدة، حتى يصبح العائد المصرفي أقل من مستوى التضخم. من جهة أخرى، يحاول الرئيس، في إصراره على تخفيض الفائدة، تخفيف عبء الدين العام، من خلال رفع مستوى التضخم، وبالتالي تقليل قيمة الدين. والملفت أن أردوغان يُقدم على ذلك، بعدما تأكد من خروج معظم الرأسمال الأجنبي من سوق الدين التركي، فمنذ أحداث حديقة غازي عام 2013، والتي يرى كثيرون أن هدفها كان إسقاط أردوغان، والبنوك والمؤسسات المالية الغربية تتخلص من حيازاتها من الديون التركية، فنزلت حصتها من قيمة الدين العام التركي من 30 في المائة إلى 5 في المائة حاليا. هذا يعني أن أردوغان ليس عليه أن يقلق كثيرا من رد فعل القوى الغربية، بسبب افتقادها أهم أدوات التأثير في الاقتصاد التركي، وهي الديون. أما سياسيا، فيعتقد أن أردوغان أراد، من خلال طرده سفراء أهم دول الغرب، تحقيق مكاسب سياسية تتمثل في حشد الرأي العام التركي وراءه، تحت عنوان يستثير حمية الأتراك، وهو حماية السيادة الوطنية، في مرحلة يتآكل فيها رصيده الشعبي بقوة. فوق ذلك، يرى أردوغان أن الوقت حان لإثبات أن تركيا اليوم ليست تركيا الأمس، وأن زمن تدخل السفراء والقناصل الأجانب في شؤونها الداخلية قد ولى، فتركيا باتت قوة إقليمية كبرى، ولا يملك الغرب أن يضحي بالعلاقة معها، في ظل الاستقطاب الكبير الحاصل بالنظام الدولي حاليا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى