شوف تشوف

الرأي

خلّصني.. أنا فنان

سيكون من النفاق أن ندعو إلى الاهتمام بالفنان المغربي في المحافل الدولية، وسنكون مخطئين جدا إذا دعونا إلى تسليط الضوء على الفنانين، فقط لأنهم مغاربة، في محافل دولية، داخل المغرب أو خارجه، تهتم بالسينما وصناعة الأفلام. ببساطة لأن المكانة السينمائية لا تأتي بالمجاملة، وهنا يكمن مشكل الممثل المغربي عموما، فالذين يستنكرون عدم الاهتمام بهم في مهرجانات السينما سواء في المغرب أو خارجه، يعتقدون أن ما يقومون به واجب وطني.
عندما ترى ممثلا، يتحدث أمام الكاميرا عن وضعيته الاجتماعية وليس عن أعماله ويتذمر من قلة فرص الشغل وكأن الأمر يتعلق بصيد السردين وليس ممارسة التمثيل، تحتار فعلا ما إن كان الربورتاج المصور معه لقطة من فيلم وليس تصويرا للواقع الذي يعيشه.
لا شأن أبدا للمواطنين المغاربة بوضعية الفنان لأنهم جميعا يعانون الفقر، وليس من مسؤوليتهم إغناء الفنان أو تحسين وضعه فقط لأنه كذلك. الفقر ليس عيبا، وليست نهاية العالم إن كان الممثل لا يملك شقة. كان الأجدر به ألا يلج الإذاعة الوطنية في الأزمنة الغابرة، للمشاركة في مسرحية «الخلخال»، بل كان عليه أن يتوجه إلى المدرسة أو إلى أي مكان آخر ليتعلم حرفة ما أو يشتغل في شيء آخر يراكم أصحابه العقارات.
سينتهي مشكل السينما المغربية عندما يعلم الممثل المغربي أن ما يقوم به في المغرب يدخل في حكم «الهواية»، وأن عليه أن يتدبر لنفسه عملا حقيقيا ليعيش حياة كريمة، وليس أن ينام طيلة السنة في انتظار رمضان، ويستنكر عدم اهتمام الدولة به، وكأنه يعمل مع الدولة. قد نتقبل هشاشة وضعية اسم فني قديم ارتبط في ذاكرة المغاربة بأشياء كثيرة أيام الراديو والقناة الواحدة، وسنرقّ لحاله كما نرق لحال المغلوبين على أمرهم من الذين نراهم كل يوم يتجولون بين المقاهي والأزقة بحثا عن قوت اليوم، لكن ما لا يمكن تقبله أن يتحول رصيده الفني إلى استجداء للناس، وأن يقول بكل وقاحة إنه يريد تعويضا لأنه أضحك المغاربة.
إذا كان الذين أضحكوا المغاربة، وأفرحوهم في المحافل الدولية، يريدون تعويضا عن رصيد الفرح العابر الذي تسببوا به لكل أبناء السبعينات والثمانينات، فكم يريد الذين تسببوا في كل هذه المآسي التي تعشش بيننا اليوم؟
ليس من العدل أن نعوض الذين تسببوا لنا، أو يعتقدون، في الفرح ونترك الذين تسببوا لنا في المآسي. يجب أيضا أن نعوض جميع المرتشين الذين مارسوا المسؤوليات ودخلوا وظائفهم فقراء وخرجوا منها أغنياء يحسبهم المواطنون موتى من كثرة انتفاخ بطونهم. ليس من العدل أن نمنح لعداء ضيعات فلاحية ومقاهي فقط لأنه سجل هدفا في بطولة كأس عالم لم يعد يتذكرها أحد، أو حصل على ميدالية ذهبية في سباق للمسافات الطويلة، مات أغلب الذين شاركوا فيه بل والذين شاهدوه في التلفاز أيضا، ونترك الذين فوتوا الصفقات العمومية لأبناء عماتهم وخالاتهم، وحولوا الإدارات التي اشتغلوا بها إلى ملحقات لمنازلهم وضيعاتهم. يجب مكافأة الجميع على كل ما قدموه لهذا البلد ليصبح بالشكل الذي هو عليه اليوم.
لنكن واضحين. إذا كان الممثل يريد تعويضا من الدولة فقط لأنه أدى أدوارا في مسرحيات وشارك في مسلسلات عرضت على المغاربة في رمضان، فالأجدر أن تُخلق وزارة للتمثيل، وألا يتقاضى الممثلون والفنانون أجورا عن الأعمال التي شاركوا فيها، وأن يحصلوا على أجرة شهرية شأنهم شأن موظفي الدولة. وهكذا سنصبح أمام ظاهرة كونية جديدة نسبق فيها جميع دول الله وسنفتخر بإنصاف الدولة للفن وأهله. وسيكون لدينا «ممثل دولة» على وزن مهندس الدولة ووزير الدولة، لكن المصيبة أنهم سيتحولون إلى ممثلي دولة بدون أدوار، لأن سوق السينما المغربية خاو على عروشه وينقصه التأهيل.
وبدل أن نبكي على وزراء الدولة الذين تجولوا بين الحكومات بدون حقائب حكومية ولا مسؤوليات ولا زالوا ربما يتقاضون أجورا عن مشاركاتهم الغابرة، سيكون علينا أن نتقبل وجود ممثلين بدون أدوار.
تأكدوا أننا في حالة صرفنا أجورا للفنانين، فإن الكثيرين منهم سيختفون تماما من على الشاشات، لأن الحاجة وحدها أخرجتهم إلى التمثيل، وليس الموهبة ولا حب المجال.
بعد كل هذا الهراء، يأتي فنان استيقظ لتوه في الخامسة مساء بعد سهرة حافلة على هامش المهرجان، ويقول لنا إنه متذمر من عدم الاهتمام به كفنان، علما أن الكاميرا الوحيدة التي يظهر أمامها باستمرار، هي كاميرا هاتفه النقال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى