شوف تشوف

الرأي

رحلة السلاح والتسلح الذري (5)

بقلم: خالص جلبي

الولايات المتحدة ماضية اليوم في هذا الاتجاه في تطوير مشاريع أخرى لا تثير الضجة كثيرا، من قبيل إنشاء مجمع صناعي على صورة (حديقة حيوانات = ZOO) هائلة للتكنولوجيا المتقدمة، من أجل دفع التطوير النووي إلى الأمام، وفي هذه الحالة فإن القنابل النووية لا تحتاج إلى التفجير أو التجريب تحت الأرض، ولكنها تُركب بكل تفصيلاتها المملة، ثم تخزن في كمبيوترات (السحر الجديدة)، بحيث تكون جاهزة ليوم الفصل العظيم، فيمكن أن تصنع في مدى أسابيع قليلة! وهناك الآن ما لا يقل عن عشرة مراكز للبحث العلمي المتقدم.
ومن هذه المشاريع الرهيبة قاعدة لــ192 مدفع ليزر، بحيث يتمكن العلماء المشرفون من توليد قدر من الطاقة، يقود لالتحام نووي يشبه الذي يجري في باطن الشمس (توليد حوالي 100 مليار ضغط جوي و100 مليون درجة سنتغراد). كذلك أشارت نشرة العلماء الذريين الأمريكية (BULLETIN OF THE ATOMIC SCIENTISTS) إلى إلحاح العاملين في الحقل النووي، وبالتعاون مع مخططي استراتيجية الدفاع في البنتاغون، لتطوير تجارب من نوع خاص تسمى (الاختبارات النووية الهيدروليكية ـ HYDRONUCLEAR – TESTS)، وبواسطة هذه الاختبارات سوف يتم تفجير أقل كمية ممكنة من المادة النووية، بحيث إنها (لا توقظ نائما ولا تزعج مستيقظا)، ولا تحرك مظاهرات مجانين السلام والمحافظين على البيئة في العالم.
ونظرا لأن الولايات المتحدة أوقفت التجارب مع نهاية عام 1996 م فإن مجموعة خبراء الدفاع الأمريكيين المرمز لها بــ(جيسون JASONS) تحذر من التكاليف الهائلة والأثر السلبي في توازن العلاقات النووية العالمية مع بقية القوى النووية الضاربة، ومع تراجع عدد العلماء العاملين في الحقل النووي (تراجع العدد في (لوس آلاموس) من 1800 عالم عام 1987 م إلى 750 الآن، ومن المتوقع تقلص العدد في السنوات القليلة القادمة إلى 600 فقط)، لذلك فإن المعلومات التي أنفقت فيها المليارات من الدولارات، بهدف إحكام السيطرة النووية على العالم، يقام بتخزينها في الكمبيوترات العملاقة، من خلال مقابلات وجمع معلومات لا تنتهي مع جيل العلماء الذين يودع الآن باتجاه سن التقاعد، بعد أن اكتحلت أعينهم بآخر زلزال نووي في صحراء نيفادا في خريف عام 1992 م.
ويطمئن خبير استراتيجي نووي يعمل في البنتاغون منذ ثلاثين عاما، بأن لا خوف على مصير أمريكا ولا هم يحزنون، فالقنابل المخبأة لليوم الأعظم، يوم تلتهب السماوات والأرض، وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا، سوف تنفجر بكل تأكيد وبدون ذرة شك! الشك هو فقط في قوة التفجير هل ستكون من قوة 350 كيلوطنا أو 240 أو 220.
على كافة الأحوال علينا أن نرتخي لتصريحات خبير البنتاغون، فأقل قنبلة تبقى أقوى من هيروشيما بست عشرة مرة!
يرى توينبي أن علة سقوط الحضارات هي داخلية بالدرجة الأولى، ويسوق إلينا توينبي مثلا مروعا من التاريخ، لإمبراطورية وحضارة أرعبت لمئات السنوات منطقة غرب آسيا بأكملها، وحملت شعوبا بأكملها إلى معسكرات الاعتقال، وسوت مدن الشرق الأوسط بالتراب، وكانت تمتلك عدة حربية رائعة تشرف على تطويرها بانتظام، بل لقد سقطت (إمبراطورية آشور) وهي في أوج امتلاكها للآلة العسكرية الرهيبة البطاشة!
(كانت الكارثة التي أودت بالقوة الحربية الآشورية عام 614 – 610 قبل الميلاد إحدى الكوارث العارمة المعروفة في التاريخ، فإنها لم تتضمن دمار أداة الحرب الآشورية فحسب، ولكنها تضمنت محو الدولة الآشورية من الوجود، واستئصال الشعب الآشوري، والشعب الآشوري جماعة لبثت قائمة أكثر من ألفي سنة، وقامت بدور رئيسي في جنوب غرب آسيا طوال فترة تقرب من قرنين ونصف القرن، ثم محيت محوا يكاد يكون تاما، ومصداقا لذلك فإنه بعد انقضاء 210 سنوات، تعاقب 10 آلاف جندي يوناني من جنود قورش الصغير المرتزقة على موضع (كالاه) ونينوى، أثناء اتجاههم عبر وادي الدجلة، من ميدان معركة كونا كسا إلى ساحل البحر الأسود، فأصابهم ذهول بسبب عدم عثورهم على شيء يعتد به مقارنة بفخامة التحصينات، وبمدى المنطقة التي كانت تضمها بين ظهرانيها، إذ يخلو مشهد تلك الأعمال البشرية الشاسعة من السكان، ويشير التراث الأدبي الذي خلفه أحد أعضاء التجريدة العسكرية اليونانية، إشارة ضمنية واضحة إلى سحر هذه الهياكل الخاوية، التي تشهد طاقتها الجامدة على حيوية زالت).
لم يدرك العالم عبثية الحرب إلا متأخرا، وبعد معاناة رهيبة، وبثمن أكثر من باهظ، والذي قاده إلى هذه العتبة هو «العلم»، ورأس العالم المتقدم يطير الآن إلى المستقبل بجناحي «العلم والسلم»، ويبقى الذي لم يشترك في «صناعة العالم المعاصر» يجتر أحلام بطولات عنترة والمتنبي ويكرر:
السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب.
ولكن كما يقول المثل الحكيم: «والسعيد من وعظ بغيره والشقي من شقي بنفسه».

قصة الفأرة المحولة إلى جارية
ولكن يبدو أن قصة هذا الخبير النووي سترسي في النهاية على قصة الفأرة المحولة إلى جارية، المذكورة في قصة كليلة ودمنة عندما عُرض عليها الزواج من أعظم القوى وأعتاها، فاختارت الشمس التي اعتذرت بالسحب الحاجبة، واعتذر السحاب بالرياح الكاسحة، وتراجع الريح أمام صمود الجبل الصلد، واعترف الأخير بعدم قدرته على طلب يدها، لأن جرذا بئيسا قد تمكن من حفر نفق في جلمود صخره، فكان مصير الجارية أن تحولت من جديد إلى فأرة فتزوجت الجرذ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى