شوف تشوف

الدوليةالرئيسيةتقاريرخاص

سخط بالشارع الفرنسي رفضا لمشروع إصلاح نظام التقاعد

ماكرون يصر على تعديل سن التقاعد رغم الاحتجاجات العنيفة

أثارت الإصلاحات المتعلقة بسن التقاعد في فرنسا سخطا عارما في صفوف العمال الفرنسيين، الذين رفضوا هذا الإصلاح وخرجوا في مظاهرات وإضرابات استمرت لأسابيع في عموم البلاد. غير أن احتجاجات الخميس الماضي الذي وصف بـ «الأسود» وصلت ذروتها وتخللتها أعمال عنف أدت إلى توقيف الرحلات الجوية، المدارس والمواقع السياحية. وامتدت المظاهرات إلى قطاع النفط، وشارك فيها نحو 12 ألف رجل أمن في كامل فرنسا، بينهم 5 آلاف شرطي في العاصمة وحدها، لمواجهة المحتجين. ولا تزال الاحتجاجات مستمرة في عدد من المدن الفرنسية إلى حد الآن، في محاولة للضغط على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحكومته، إلا أنه تشبث بالإصلاح وزاد في إطلاق التصريحات المستفزة.

 

سهيلة التاور

 

 

تجددت الاشتباكات بين المحتجين الرافضين لإصلاح نظام التقاعد في فرنسا، الذي مررته الحكومة من دون إجراء تصويت برلماني، ورجال الأمن في أكبر تظاهرة منذ بداية الاحتجاجات في فرنسا. وقدرت النقابات عدد المتظاهرين يوم الخميس الماضي في أرجاء البلاد بنحو 3.5 ملايين، في حين ذكرت وزارة الداخلية أن عدد من شاركوا في المظاهرات بلغ نحو 1.08 مليون في تاسع يوم من التعبئة ضد تعديل نظام التقاعد.

ونظمت هذه المظاهرات وسط تعبئة أمنية واسعة، شارك فيها نحو 12 ألف رجل أمن في كامل فرنسا، بينهم 5 آلاف شرطي في العاصمة وحدها، لمواجهة المحتجين. فيما اعتقلت الشرطة 855 شخصا لارتكابهم جرائم مختلفة أثناء المظاهرات، 729 منهم في باريس.

وتتواصل التعبئة الشعبية، حيث نظمت عدة مظاهرات يومي السبت والأحد في عدة مدن فرنسية بدعوة من النقابات العمالية التي وحدت صفوفها من أجل الضغط على الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته.

وتتيح المادة 49/3 من الدستور الفرنسي للحكومة إمكانية تمرير تشريع دون طرحه للتصويت في البرلمان – ويعتبرها بعض المراقبين «ثغرة».

وباستدعاء هذه المادة من الدستور، يستهدف الرئيس الفرنسي ماكرون تأمين قدرة حكومته على فرض إصلاحات دون طلب دعم من أغلبية أعضاء البرلمان.

وتكمن مشكلة المادة 49/3 في أنها تفتح الباب أمام المعارضة للدعوة إلى سحب الثقة من الحكومة التي تعلم بدورها أنها ستواجه غضبا في الشوارع من المتظاهرين الذين يرون المادة 49/3 غير ديمقراطية.

وكانت هذه المادة قد وُضعت للحيلولة دون الوقوع في اضطرابات فيما بعد الجمهورية الرابعة في عام 1958 وهي فترة شهدت إعادة بناء الاقتصاد، كما شهدت بداية حركات الاستقلال في العديد من المستعمرات الفرنسية.

 

العنف مستمر

شهدت مظاهرات «الخميس الأسود» أعمال عنف قوية، حيث قام مئات المحتجين الذين كانوا يرتدون اللون الأسود بتحطيم واجهات متاجر، في رد واضح على تحذيرات الرئيس إيمانويل ماكرون بعدم السماح بأي جنوح للعنف.

وأعلن الاتحاد العمالي العام (سي جي تي) مشاركة 800 ألف شخص في باريس وحدها، وسرعان ما سجلت أعمال عنف لا سيما رشق الحجارة والقوارير وإطلاق المفرقعات على قوات الأمن، مع تحطيم للواجهات ومحطات ركاب الحافلات وإحراق حاويات النفايات.

وتصدت الشرطة بالغاز المسيل للدموع للمحتجين في مدينة نانت، وأظهرت لقطات تلفزيونية استخدام الشرطة مدافع المياه في مدينة رين، وفي الغرب أيضا في لوريان، قالت صحيفة «ويست فرانس» إن المقذوفات تسببت في حريق لفترة وجيزة في ساحة مركز للشرطة.

وأعلن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان أن 123 دركيا وشرطيا أصيبوا بجروح في فرنسا الخميس الماضي خلال اليوم التاسع من التعبئة والتي شهدت أعمال عنف فيما تم توقيف أكثر من 80 شخصا.

 

إلغاء رحلات

بسبب تراجع إمدادات وقود الطائرات الناتج عن الإضرابات، طلبت الإدارة العامة للطيران المدني من شركات الطيران إلغاء 30 في المئة من رحلاتها المبرمجة اليوم في مطار «باريس أورلي» و20 في المئة من رحلاتها في باقي المطارات.

وأغلق معارضو خطط الحكومة محطات السكك الحديدية والطرق وجزءا من مطار شارل ديغول الدولي في باريس، في حين استخدمت شرطة العاصمة الغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين واعتقلت أعدادا منهم.

وبسبب تراجع إمدادات وقود الطائرات الناتج عن الإضرابات، طلبت الإدارة العامة للطيران المدني من شركات الطيران إلغاء 30 في المئة من رحلاتها المبرمجة الخميس الماضي في مطار «باريس أورلي»، و20 في المئة من رحلاتها في باقي المطارات.

وتلبية لنداء نقابة الكونفدرالية العامة للشغل، أغلق محتجون الأربعاء الماضي موانئ مارسيليا (جنوب) وبريست (غرب).

كما قالت شركة السكك الحديدية إنها لن تكون قادرة على تسيير سوى نصف قطاراتها عالية السرعة، وثلث قطاراتها في خطوطها الإقليمية.

وأُغلقت بعض المدارس، بينما تراكمت القمامة في الشوارع وإدرام النار فيها وتعطل توليد الكهرباء.

وشوهدت أعمدة من الدخان تتصاعد من أكوام حطام محترقة أعاقت حركة المرور على طريق سريع قرب تولوز جنوب غرب البلاد، كما تسببت الإضرابات في إغلاق طرق بمدن أخرى لفترة وجيزة.

وصرح متحدث باسم شركة «توتال إنرجيز»، إن 31 في المئة من العاملين في مصافي ومستودعات النفط الفرنسية الكبرى أضربوا عن العمل، صباح الجمعة الأخير.

 

تعليق رحلة الملك تشارلز

كان من المقرر أن تبدأ رحلة الملك تشارلز إلى باريس وبوردو يوم أمس الأحد، لكن تم تأجيلها بسبب ما تمر به فرنسا من أسوأ أعمال العنف يوم الخميس الماضي منذ بدء المظاهرات في يناير.

وعلق قصر باكنغهام بأن تأجيل زيارة الملك يرجع إلى «الوضع في فرنسا».

وأضاف القصر في بيان رسمي: «إن صاحبي الجلالة يتطلعان بشدة إلى فرصة زيارة فرنسا في أقرب وقت ممكن».

وقالت الحكومة البريطانية إن قرار التأجيل «اتُخذ بموافقة جميع الأطراف بعد أن طلب الرئيس الفرنسي من الحكومة البريطانية تأجيل الزيارة».

وأشار قصر الإليزيه إلى اتصال بين الرئيس ماكرون والملك تشارلز صباح الجمعة، مضيفا أن زيارة الدولة سيتم تأجيلها إلى أقرب وقت ممكن، «حتى يتم الترحيب بجلالته في ظروف تناسب علاقتنا الودية».

 

إغلاق المواقع السياحية

بسبب الاحتجاجات، أغلقت مواقع سياحية في باريس وضاحيتها من بينها برج إيفل وقصر فرساي، أبوابها مجددا أمام الزوار الخميس. ومن المعالم الباريسية التي امتنعت كذلك عن استقبال الزوار، قوس النصر الواقع عند أعلى جادة الشانزليزيه.

وأوضح الموقع الإلكتروني لبرج إيفل أن الموقع «مغلق راهنا بسبب حركة الإضراب الوطني»، مشيرا إلى أن الوصول إلى ساحة المتنزه المحيط به يبقى متاحا مجانا. ودعا «حملة تذاكر الدخول الإلكترونية لليوم (الخميس) إلى التحقق من صندوق رسائلهم الهاتفية».

أما موقع قصر فرساي على الإنترنت فأعلن إغلاق القصر والحدائق المحيطة «يوم الخميس 23 مارس 2023 بسبب تحرك اجتماعي وطني».

 

بلاك بلوك

قالت السلطات إن نحو 1500 «مخرب» أعضاء في ما يسمى «بلاك بلوك»، وهي مجموعة مخربين متطرفة اندست ضمن موكب الاحتجاج في باريس الخميس الماضي. وأصيب 441 شرطيا ودركيا بجروح خلال تظاهرات في كل أرجاء فرنسا.

وأشار وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان إلى أن 11 تحقيقا بوشر في حق عناصر في الشرطة. وأوضح «قد يكون عناصر في الشرطة أو الدرك غالبا ما يشعرون بالإنهاك، ارتكبوا على صعيد فردي ممارسات قد تتعارض مع ما تعلموه» مشددا في الوقت ذاته على العمل «الرائع» للقوى الأمنية «لتجنب وقوع أي قتيل».

وأوقف أكثر من 450 شخصا خلال يوم التظاهرات الأعنف منذ بدء حركة الاحتجاج على إصلاح نظام التقاعد الذي يرفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاما.

ومنذ تمرير المشروع من دون تصويت في البرلمان الأسبوع الماضي، تنتشر أشرطة مصورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تظهر عناصر من الشرطة الفرنسية يدفعون متظاهرين أو ينهالون عليهم بالضرب.

 

تصويت مجلس الشيوخ

رحبت الحكومة التي ضعف موقفها من جراء هذا التحرك في الشارع، بتصويت مجلس الشيوخ الذي تهيمن عليه المعارضة اليمينية، على المادة السابعة في الإصلاح التي تزيد سن التقاعد سنتين من 63 إلى 64 عاما.

وفور التصويت ليل الأربعاء الخميس الماضيين، أعربت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن عن «سرورها» بإقرار التعديل، مؤكدة في تغريدة على «تويتر» أن هذا الإصلاح «متوازن وعادل».

وفي الجمعية الوطنية حيث لا تملك السلطة سوى غالبية نسبية، لم يتسن النظر في هذه المادة بسبب المعارضة الكبيرة لكن أيضا بسبب الجدول الزمني الضيق للمحادثات الذي فرضته الحكومة.

وتعد موافقة أعضاء مجلس الشيوخ أساسية للحكومة التي تريد تسريع الإجراء البرلماني مع تجنب اللجوء في الوقت نفسه إلى مادة في الدستور الفرنسي 49/3 تتيح اعتماد نص بدون تصويت وهو ما كان سينظر إليه حتما كتجاوز للسلطة.

 

ماكرون «لن أرضخ»

أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مضيه قدما في الإصلاحات التي أقرها مؤخرا، متجاهلا دعوة النقابات لتعليق قانون المعاشات الجديد في ظل أحد أسوأ أعمال العنف في شوارع البلاد منذ أعوام.

وجدد ماكرون، في تصريحات بعد قمة للاتحاد الأوروبي في بروكسيل بخصوص الاحتجاجات، التعبير عن استعداده لبحث تغييرات السياسة المستقبلية مع النقابات، قائلا «سنواصل المضي قدما.. فرنسا لا يمكن أن تصل لطريق مسدود، ولن نقدم للعنف شيئا»، ومنددا بشدة بالعنف الذي رافق هذه الاحتجاجات.

وأضاف «إن قانون المعاشات سيسلك مساره بكل بساطة، وهو الآن في مرحلة مراجعة قانونيته في المجلس الدستوري الفرنسي، ولا تراجع عنه».

ويراهن الرئيس الفرنسي بجزء كبير من رصيده السياسي بطرح هذا المشروع الذي يطمح لأن يكون أبرز إجراء في ولايته الثانية ويرمز إلى عزمه على الإصلاح، غير أنه يصطدم برفض كبير من الفرنسيين.

ومن ناحية أخرى، وعلى الرغم من اعتراف ماكرون بشرعية الإضرابات والاحتجاجات، إلا أنه أضاف أن الإجبار على الإعادة القسرية للمضربين للعمل في القطاعات التي تتعارض فيها هذه الاحتجاجات مع الحياة الطبيعية للمواطنين أمر قانوني تمامًا.

ودعا رئيس الجمهورية الفرنسية القادة النقابيين للعودة إلى الحوار وأعرب عن أسفه لعدم عرض أي من القادة النقابيين على قصر الإليزيه تسوية بشأن إصلاح نظام التقاعد. وقال الرئيس الفرنسي إنه مستعد لاستئناف الحوار الاجتماعي في المستقبل القريب حول قضايا أكثر أهمية من رفع سن التقاعد. هذه، حسب قوله، هي ظروف العمل، وقضايا الإرهاق المهني والتقاعد.

وأدى تمرير القانون إلى تصاعد حالة العداء السياسي في فرنسا وامتلاء شوارعها بلافتات دون عليها المتظاهرون شعارات عنيفة لإنهاء حكم ماكرون، كتبوا عليها «اقطعوا رأس ماكرون».

 

انتقادات مجلس أوروبا

انتقدت مفوضة حقوق الإنسان في مجلس أوروبا، دنيا مياتوفيتش، الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين المحتجين على إصلاح نظام التقاعد في فرنسا، مطالبة باريس باحترام حق التظاهر.

وقالت المفوضة في بيان «وقعت حوادث عنف بعضها استهدف قوات إنفاذ القانون.. لكن ذلك لا يمكن أن يبرر الاستخدام المفرط للقوة من موظفي الدولة».

وأوضحت المفوضة أن «أعمال العنف المتفرقة من بعض المتظاهرين أو غيرها من المخالفات التي يرتكبها آخرون أثناء الاحتجاج لا يمكن أن تبرر الاستخدام المفرط للقوة من موظفي الدولة ولا أن تحرم المتظاهرين السلميين من التمتع بالحق في حرية التجمع».

وقالت المفوضة إن «من الواجب على السلطات السماح بهذه الحريات، من خلال حماية المتظاهرين السلميين والصحافيين الذين يغطون هذه التظاهرات من عنف الشرطة ومن الأفراد العنيفين الذين يتحركون في المسيرات أو على هامشها».

كما أعربت المفوضة عن قلقها إزاء توقيف بعض المتظاهرين والأشخاص الموجودين قرب التظاهرات واحتجازهم لدى الشرطة، وتساءلت عن ضرورة تلك الإجراءات.

وقالت في إشارة إلى تصريحات وزير الداخلية الفرنسي إن «عدم الإعلان عن تظاهرة لا يكفي في حد ذاته لتبرير انتهاك الحق في حرية التجمع السلمي للمتظاهرين أو توجيه عقوبة جنائية للمشاركين في مثل هذه التظاهرة».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى