
وصلت تداعيات التلوث البيئي الذي طال سد “بوخالف 1” المعروف بسد الزياتن بمدينة طنجة إلى قبة البرلمان، حيث وجّهت نائبة برلمانية سؤالا كتابيا إلى المصالح الوزارية المختصة، حول الإجراءات العاجلة لإيقاف تدفق المياه العادمة إلى هذه المنشأة المائية، ومعالجة الأضرار الناتجة عنها.
طنجة: محمد أبطاش
أكدت البرلمانية، أنه في ظل الحديث الرسمي المتواصل عن الالتزامات البيئية للمغرب، والرهانات الاستراتيجية للتنمية المستدامة، تتفاجأ ساكنة مدينة طنجة، وبالضبط أحد أكبر أحيائها الشعبية الذي يفوق عدد سكانه 50 ألف نسمة، بواقع بيئي صادم يتمثل في تلوث خطير لحقينة سد بوخالف 1، بسبب تدفق المياه العادمة إليه بشكل يومي، ما حوله من منشأة مائية مخصصة لتجميع مياه الأمطار إلى بؤرة بيئية تنبعث منها روائح كريهة تهدد الصحة العامة وتنذر بكارثة بيئية وشيكة.
وأوردت البرلمانية، أن هذا الوضع، الذي تتفاعل معه الساكنة بغضب واستياء متزايد، يكشف عن اختلالات على مستوى تدبير البنية التحتية البيئية وغياب التنسيق بين القطاعات المتدخلة، بل ويطرح اختلالات حول مدى نجاعة السياسات العمومية في مجال حماية البيئة بالمدن الكبرى.
وتساءلت البرلمانية في تقرير لها، عن التدابير العاجلة التي ستتخذها المصالح الحكومية المختصة، لإيقاف هذا التلوث البيئي الذي وصفته بالخطير، فضلا عن ضرورة التدخل لمعالجة مياه السد المتضرر وإعادة تأهيله بما يضمن حماية صحة الساكنة والبيئة، كما استفسرت البرلمانية عن ما أسمته غياب التنسيق المسبق مع باقي الجهات المعنية لدرء هذا الخطر قبل تفاقمه.
وضعية كارثية
باتت وضعية السد التلي الزياتن كارثية بكل المقاييس، وذلك بعدما فضحت التساقطات المطرية التي تهاطلت على طنجة، طيلة الشهر الماضي، هذا الجانب المخفي من الحزام الهامشي للمدينة، حيث تم تسجيل تسرب مياه الصرف الصحي إلى محيط السد ليتحوّل من مشروع بيئي إلى مصدر تهديد مباشر لصحة السكان.
وما زاد من خطورة الوضع على الجميع رصد أطفال يلعبون بجوار مياه آسنة، وقطعان أغنام ترعى وسط التلوث وروائح كريهة تخنق الأنفاس، ناهيك عن أن عددًا من سكان أحياء مسنانة وبوخالف باتوا يعيشون على أعصابهم في كل فترة صيفية بسبب أسراب من البعوض يُعد هذا السد مصدرها الرئيسي.
وتقول مصادر مطلعة إنه عندما يتم تشييد السدود التلية، فإن الغاية منها غالبًا ما تكون حماية المناطق المجاورة من الفيضانات، وتخزين مياه الأمطار لاستعمالها في الزراعة أو تغذية الفرشة المائية. غير أن ما حدث مع سد الزياتن التلي حوّله إلى نقيض أهدافه تمامًا. فبفعل غياب الصيانة وتسرب مياه الصرف الصحي نحوه بات السد يشكل خطرًا محدقًا على المنطقة عموما وسكانها خصوصا. ومع كل فصل شتاء أضحت ترتفع مخاوف السكان من فيضانات محتملة، خاصة وأن الأوحال غمرت مجاري المياه فيما تنبعث من المكان روائح خانقة بفعل ركود المياه الملوثة.
مشاريع بدون روح بيئية
رغم أنه يضم كثافة سكانية مهمة، إلا أن حي الزياتن يعاني من نقص فادح في التجهيزات الأساسية، في ظل وجود طرق غير معبدة وغياب الإنارة العمومية، وصولًا إلى وجود حاويات ضخمة للنفايات عند بوابة السد، بدل تهيئة مسلك خاص لشاحنات النظافة، في وقت قالت مصادر من السكان إن حيهم يُعامل وكأنه خارج نطاق الاهتمام، ما يعكس غياب سياسة بيئية عادلة وشاملة تراعي حاجيات كل أحياء طنجة.
ولا يختلف حال سد الزياتن التلي كثيرًا عن باقي السدود التلية المنتشرة في محيط طنجة، والتي تعاني في مجملها من غياب استراتيجية واضحة في التدبير البيئي والصيانة الدورية. فبينما من المفروض أن تساهم هذه المنشآت في تعزيز الأمن المائي وحماية المجال الطبيعي، تحوّلت، بسبب الإهمال، إلى مناطق شبه مهجورة، أو إلى مكبّات للنفايات، كما هو حال الزياتن. وتؤكد مصادر محلية أن المدينة بحاجة إلى تقييم شامل لفعالية هذه السدود ومدى مطابقتها لمعايير السلامة البيئية، سيما في ظل التوسع العمراني الكبير الذي تشهده طنجة.
من أجل إنقاذ فرصة تنموية
الوضع الكارثي في محيط سد الزياتن لا يمكن فصله عن مسؤولية واضحة لعدد من الجهات، على رأسها جماعة طنجة. ونبهت بعض المصادر إلى أن الجميع مدعو اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى التحرك العاجل لإصلاح الوضع، ليس فقط عبر توسيع قنوات الصرف وتجديدها، بل عبر تهيئة الطرق المؤدية إلى السد، تنظيفه باستمرار، وتحويل محيطه إلى فضاء بيئي وثقافي يليق بالساكنة المحلية.
ورغم هذا الوضع المزري، إلا أن الأمل لا يزال قائمًا، تشير بعض المصادر، فموقع سد الزياتن الاستراتيجي يمنحه إمكانات كبيرة للتحول إلى فضاء جذب بيئي وسياحي إذا تم تأهيله بشكل عقلاني ومندمج، ويمكن له أن يشكل نقطة تلاقٍ بين التنمية البيئية والاجتماعية، سيما إذا أُدمج في رؤية مستقبلية لطنجة الكبرى تراعي العدالة المجالية في توزيع المشاريع والخدمات.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن التنمية المستدامة لا تعني فقط بناء ملاعب ومرافق كبرى لاستقبال تظاهرات عالمية، بل تبدأ من الاهتمام بكرامة السكان. فالقاطنون بمنطقة «الزياتن»، وغيرهم من سكان الأحياء بحزام طنجة الهامشي، لهم الحق في بيئة سليمة كما هو حق لجميع الأحياء بقلب المدينة ونواحيها.
تواصل غائب وتدخل متأخر
خلال إنجاز هذا الروبورتاج، ربطت «الأخبار» الاتصال بالمصالح المختصة داخل جماعة طنجة في مناسبتين، ورغم توجيه أسئلة في الموضوع عبر الرقم المحدث لتلقي الاستفسارات من لدن الجماعة، إلا أن الجريدة لم تتلق أي رد أو تجاوب في هذا الشأن.
وعلى صعيد آخر، ذكرت مصادر جماعية أن المجلس أمر الشركات المفوض لها بالتوجه بشكل مباشر إلى السد في وقت لاحق لتنظيفه وإعداد تقرير خاص بغية الكشف عن حاجيات إعادة تأهيل هذا السد، وهو الأمر الذي وصفته المصادر بالخطوة المتأخرة نظرا لما عرفه المكان من إهمال طيلة السنوات الماضية.
+++
أبو النجاة: «مسؤولية جماعة طنجة واضحة وأي تقصير هو خيانة لثقة السكان»
في تصريح خاص لـ«الأخبار»، قال زكرياء أبو النجاة، عضو جماعة طنجة وعضو مقاطعة طنجة المدينة، إن هذا الفضاء البيئي، الذي كان من المفترض أن يُشكل متنفسًا طبيعيًا للساكنة، تحوّل بفعل الإهمال والتلوث إلى مصدر خطر بيئي وصحي حقيقي.
فمياه الصرف الصحي تتسرب بشكل مستمر إلى محيط السد، ما يتسبب في تراكم الأوحال وانبعاث الروائح الكريهة، مع تهديد مباشر لصحة المواطنين وسلامة قطيع الأغنام الذي يرعى في محيطه، مع خطر دائم بحدوث فيضانات خلال مواسم الأمطار.
وأضاف أبو النجاة قائلا: «بصفتي عضوًا منتخبًا بجماعة طنجة ومقاطعة طنجة المدينة، وكمتابع ميداني لهذا الملف، أحمّل المسؤولية لجماعة طنجة وشركات التفويض القابعة تحت مسؤوليتها.. فهذا الوضع لم يعد يحتمل مزيدًا من التراخي أو تبادل المسؤوليات».
وأورد أبو النجاة أن «مدينة طنجة، في عز حاجتها لكل قطرة ماء، لا يمكن أن تستمر في تضييع مواردها المائية بسبب الإهمال، أو أن تترك مناطقها الهشة ضحيةً لتمييز مجالي مرفوض. ومن هنا، فإن الحلول الناجعة التي نقترحها لإعادة تهيئة هذا السد تتضمن التدخل العاجل لمعالجة تسربات مياه الصرف الصحي وإصلاح الشبكة المتضررة، وتهيئة المسالك الطرقية المحيطة بالسد لتمكين شاحنات النظافة من الوصول المنتظم، إلى جانب إطلاق حملة تنظيف شاملة ومستدامة لمحيط السد، مع تتبع بيئي دوري».
وبخصوص مسؤولية جماعة طنجة، أوضح العضو الجماعي أنها «مسؤولية واضحة في الإشراف على البنية التحتية الجماعية، والتنسيق مع باقي المتدخلين وضمان احترام دفتر التحملات من طرف الشركات المفوض لها»، مشددا على أن «أي تقصير في هذا الباب هو خيانة لثقة الساكنة ومسّ بمبدأ العدالة المجالية»، قائلًا: «نحن اليوم أمام فرصة لإصلاح ما أفسدته سنوات من الإهمال، وإعادة الاعتبار لساكنة الزياتن، وسنستمر في ممارسة دورنا الرقابي والترافعي داخل المؤسسات، ومع المجتمع المدني، من أجل تحقيق هذا الهدف المشترك: بيئة سليمة وعدالة مجالية حقيقية».






