الرئيسيةخاص

سوق الكلب.. سوق شعبي قاوم ألسنة النار ثلاث مرات وتحدى بارونات لوبيات العقار

عبد المولى الزاوي

جرت العادة أن تُنافس شهرة بعض المنشآت والأسواق المدنَ حيث توجد، إذ تحيل الكتبية على مراكش، مثلا، ومسجد الحسن الثاني على الدار البيضاء، وهكذا أسماء علت وبلغت من الشهرة وسط الجمهور ما جعلها أعلام يحيل ذكرها مباشرة إلى الأماكن التي تحتضنها.

حكاية سوق
في مدينة سلا المليونية، التي تتربع على مساحات شاسعة من الضفة الشرقية لأبي رقراق، والتي شكلت على مدى التاريخ مركزا حضاريا دارت فيه العديد من الأحداث التي بلغ مداها أقصى الأطراف، إنْ في القارة الأمريكية أو بلدان أوربا الشمالية، والإشارة هنا إلى طلبات الحماية من أعمال القرصنة البحرية «الناشطة» آنئذ في المحيط الأطلسي، قبالة الشواطئ المغربية، في هذه المدينة «الضاربة» في القدم، انتزع أحد الأسواق الشعبية مركز الريادة في الشهرة، وتجاوز صيته صيت المدينة، إنه سوق «الكلب» وفق التسمية «الشعبية» المتداولة وسط الساكنة، وسوق «الصالحين» وفق التسمية الرسمية كما هي متداولة في مكاتب الجماعة وغيرها من مؤسسات الدولة في المدينة.
هو سوق إذن من حوالي 500 دكان، يقدم لزبائنه جميع ما يطلبونه من سلع، بدءا بالتوابل مرورا بالخضروات واللحوم والأسماك، وليس انتهاء بالملابس «المستعملة» التي تعتبر تجارتها القلب النابض للسوق ككل، اعتبارا لجودتها وثمنها «المغري» بحسب القائمين عليها، الذين أضافوا في حديثهم إلى «الأخبار» أنهم يملكون زبائن من الأحياء الراقية بالعاصمة، وأبعد منها، زبائن من مختلف المدن المغربية، ما إن يحلون ضيوفا بالرباط لقضاء بعض أغراضهم الإدارية، إلا ويخصصون حيزا زمنيا لزيارة سوق «الكلب» قصد «التبضع» مما فيه من جديد.
هو سوق إذن، من قش وحديد، يتموقع وسط المدينة غير آبه بزحف الإسمنت عليه من كل جانب، يقاوم المنافسة «الشرسة» للأسواق الممتازة، ذات المساحات المتوسطة والكبيرة، التي انتشرت في مختلف أطراف المدينة، مُروجة لمنتوجها عبر تقنية اللوحات الإشهارية، وعبر الإذاعة والتلفزيون، إلا أن سوق المدينة الشعبي «الشهير» ومثلما انبعث في ثلاث مناسبات من رماد الحرائق التي اندلعت فيه، يواصل الانبعاث في كل يوم، عبر جلب زبائن جدد، قال كثير منهم إن «أصالة» سوق «الكلب» تحجب الرؤية على بريق الأسواق «المعاصرة»، لأن الأهم في العملية ككل هو «الظفر» بمنتوج جيد بثمن مناسب، أما ما دون ذلك فتفاصيل غير ذات قيمة تُذكر.
من أين يستمد سوق «الصالحين» إذن «بركة» نجاحه في استمرار رواج تجاري يعز نظيره فيما سواه من الأسواق؟ وما السر في استمرار المنشأة «القصديرية» ذاتها في جلب آلاف الزبائن دونما حاجة إلى إشهار أو ما عداه من طرق «التسويق» التي تُدَرس في معاهد مختصة؟ وما قول بلدية المدينة في الموضوع؟
«الأخبار» زارت سوق مدينة سلا وحاورت التجار والزبائن على حد سواء، ومعهم التقت بجمعية «الرحمة» التي تعتبر خيمة الحرفيين، التي تجمع شتاتهم، وبعد هذا كله ساءلت الجريدة منتخبي المدينة لاستفسارهم حول مآل ذات المرفق، الذي يعتبر معلما، استعصى على «لوبي» العقار، فعادت بالورقة التالية .

هكذا «تنتشل» 500 دكان أكثر من ألفي تاجر من البطالة
أجمع تجار سوق «الكلب» بمختلف تخصصاتهم وتنوع سلعهم على أن سوق مدينة سلا يعتبر أشبه بالأمكنة «المباركة» الموجودة هنا وهنالك والتي ينتفع بـ «بركتها» كل قاصديها ومن يدور في فلكهم، مضيفين في حديث عينات مختلفة منهم إلى الجريدة، أنه بالقيام بعملية حسابية بسيطة يتم الوقوف عند آلاف الأفواه التي يُتحصل رزقها ومعيشها اليومي من المرفق التجاري ذاته.
واستدل محدثو الجريدة على حالة النفع الاقتصادي للسوق بأنفسهم، قائلين إن المتجر الواحد يشغل ما بين 3 و4 أفراد، غالبيتهم أرباب أسر صغرى وكبرى، تتكون في معدلها العام من 3 إلى 4 أفراد، وأخذا بعين الاعتبار مجموع الحوانيت البالغة قرابة 500 محل يمكن الوقوف عند ما يسميه التجار أنفسهم حالة الأمن الغذائي التي تضمنها تجارة السوق لقطاع عريض من ساكنة مدينة سلا.
«با قدور» واحد من قدماء سوق «الحوايج» اعترف بما أسماه فضل «الحانوت» عليه وعلى أسرته الصغيرة، اعتبارا لكونه مصدر الرزق الوحيد الذي أمن الغذاء والملبس لكل أفراد البيت منذ ما يزيد على ربع قرن من الزمن، مضيفا أن «السوق ببراكتو» والدليل حسب قوله دائما، هو عدم عودة أي من التجار خاوي اليدين إلى بيته مهما كانت الظروف ومهما تعرضت التجارة لمخاطر «النكسات».
وقال «باقدور» في معرض حديثه عن منافع مرفقه التجاري إن سوق «الكلب» قاوم نيران الحرائق التي اندلعت فيه أكثر من مرة، وعاد إلى الحياة ضدا على إرادة العديد ممن يحلمون باقتطاع أرض السوق وتحويلها إلى عمارات سكنية وتجارية، إلا أن القصدير والقش انتصر دوما على نيران الاستعلاء والاستغلال القائمة بين النافذين والفقراء في كل مناطق العالم، يقول محدث الجريدة بلغته البسيطة في تراكيبها، الغنية في معانيها.
من جهته يرى تاجر للخضروات ينتصب محله في الجهة الأخرى من السوق، أن الرواج الذي يعرفه سوق «الصالحين» يعود بدرجة أولى إلى كونه سوقا شاملا تتوفر في متاجره جميع السلع التي يبتغيها الأهالي، وبدرجة ثانية يرتبط الرواج بالأثمان المعقولة للسلع والخدمات، وهذا ناهيك عن الموقع «الممتاز» للسوق وسط الأحياء الكبرى لمدينة سلا، إذ يوجد شرقا حي السلام الذي تقطنه ساكنة الطبقة الوسطى وما فوقها، وغربا يوجد حي كريمة، بينما يحد السوق من الجهة الشمالية حي الشيخ المفضل ذي الكثافة السكانية العالية، وفي الجنوب الغربي حي تابريكت وحي كريمة الذي ينطلق منه «تراموي» المدينة.
وفي الوقت الذي يجمع فيه التجار على أن الموقع الاستراتيجي لسوقهم أمر لا يحتاج إلى نقاش، قال تاجر للأسماك يدعى «سعيد. م» إن القادم إلى سوق الكلب يمكنه العودة إلى بيته بكل ما يخطر ولا يخطر على بال، مضيفا أنه كبائع للأسماك يساهم في جذب زبائن لتجار التوابل مثلا، إذ أن الداخل إلى السوق يجد نفسه وبسلاسة مطلقة ينتقل من «حانوت» إلى آخر، يجمع بينها تقديم نفس العروض المقدمة في باقي الأسواق بأثمان لا تقبل المنافسة.
وقال سعيد إنه بدراهم معدودات يمكن للمرء أن يغادر سوق الكلب وقد ملأ قفته من اللحم والخضر، واشترى ما يلزمه من توابل وأسماك وفواكه، بعد أن يكون قد اقتنى ملابس لـ «ماركات» عالمية، قبل أن يختم بتساؤل عريض «فين يمكن تلقى هاد الخير كلو في شي سوق من غير سوق الكلب»

sh

زبائن السوق بين الرضى على خدمته والأمل في إصلاحه
جوابا عن سؤال حملته «الأخبار» إلى عينات مختلفة من مرتادي سوق سلا الشهير، أجمعت الآراء على أن الأثمنة المناسبة للكثير من المنتوجات المعروضة في السوق تعتبر عامل جذب مهم للزبائن، ناهيك عن «طراوة» اللحوم والأسماك، عكس ما هو كائن بباقي الأسواق المسماة أسواقا ممتازة، يقول أحد المستجوبين، مضيفا في حديثه إلى الجريدة أنه والكثير من أصدقائه في الجارة الرباط يخصصون بين الفينة والأخرى أوقاتا لزيارة سوق سلا والتبضع منه لأن «السلعة ديال السوق البلدي تتكون تتنبض بالحياة» يقول محدث الجريدة الذي ختم بالقول «الناس عيات من الزواق» لأن المهم حسب قوله دائما هو «آش تقضيتي وليس منين تقضيتي».
أيمن شاب في العشرينات من العمر، وهو منغمس في كومة من الملابس لانتقاء ما يراه مناسبا له، أجاب الجريدة على سر قدومه إلى السوق بالإشارة إلى أسماء شركات عالمية مطبوعة في أماكن معينة من قطع القماش التي يختارها بعناية فائقة، مضيفا أن «القميجة ديال 20 درهم تتسوى حتى لـ 500 درهم في البوتيك»
وقال أيمن إنه وبعد أن أثقلت كسوته كاهل أسرته، إذ كان يحتاج لأكثر من 1000 درهم كلما دعت الضرورة الحصول على لباس الصيف أو الشتاء، اهتدى بنصيحة من أحد أصدقائه إلى سوق الملابس المستعملة بالمدينة فراح يحصل على ما يريد بربع المبلغ الذي كان ينفقه على الغرض ذاته، مضيفا في حديثه إلى الجريدة أنه أضحى يقوم بأكثر من زيارة في الأسبوع للمرفق ذاته، أملا في اكتشاف الجديد مما يعرض من سلع.
في الحديث ذاته، أكد أيمن أن باقي أفراد أسرته والعديد من زملائه في العمل باتوا زبناء معروفين لحوانيت سوق «الكلب» بسلا، وذلك بعد أن أغراهم سعر وجودة القماش، مضيفا أن «الماركات» العالمية التي يتم اقتناؤها من السوق ذاته، قلما توجد في أفخم «القيساريات» المغربية، وإن وُجدت يضيف المتحدث ذاته، «فما أصعب الاقتراب منها» في إشارة منه إلى غلاء ثمنها.
وبالتجوال في أروقة السوق الضيقة، لا تخطئ عين الملاحظ وجود نسوة كثر ضمن الداخلين إلى السوق والخارجين منه، يقمن بعملية تدقيق «بالغة» لكل نوع من أنواع اللباس الخاصة بهن والتي يتم عرضها في محلات متخصصة، بل أكثر من هذا تخصص بعض الباعة في المتاجرة في نوع معين من الألبسة النسوية لتسهيل عملية البحث والانتقاء التي تواظب عليها زبونات السوق.
وجوابا على سؤال حول أوجه الإغراء التي تأتي بنساء مختلفات العمر ومن أماكن مختلفة إلى سوق سلا الشهير، تملكت إحدى الشابات شجاعة «البوح» للجريدة، في تخطي واضح لعوامل الخجل والاستحياء من التبضع من «البال»، قائلة بأنها طالبة في كلية الحقوق بمدينة الرباط، وحيث إن وضعها الاجتماعي لا يسعفها في مسايرة عالم «الموضا»، فإنها لم تجد بدا في البحث عن بديل، والبديل حسب تعبيرها هو سوق مدينة سلا الذي يوفر أجود أنواع اللباس وبأثمنة جد مغرية.
وقالت محدثة الجريدة إن كثيرا من زميلاتها يسألنها بين الفينة والأخرى عن جغرافية المحل التجاري الذي اقتنت منه إحدى قطع ملابسها، إلا أنها تجيب في الكثير من الأحيان بأن اللباس موضوع السؤال هو عبارة عن هدية من أحد أقربائها القاطنين بالخارج تجنبا لـ «مذلة» الموقف، حسب تعبيرها.

بلدية سلا وغياب الرؤية الواضحة
أكدت مصادر خاصة لـ«الأخبار» أن انعدام الرؤية «الواضحة» يطبع تعامل المسؤولين مع ملف سوق «الكلب»، إذ لم يستطع أي من المجالس المنتخبة الحسم في الموضوع، مضيفة أنه بين الفينة والأخرى يحدث أن يتقدم أحد المسؤولين باقتراح ما لكن ما إن تنتهي ولايته حتى تُقبر رؤيته.
وقالت المصادر ذاتها، إن الوكالة الحضرية لمدينة سلا وبحكم اختصاصها في إنجاز تصميم التهيئة قد تكون لديها المعرفة المسبقة بما ستؤول إليه البقعة الجغرافية التي يتربع عليها حاليا تجار السوق المذكور، مضيفة أن الاقتراح الموضوع حاليا على طاولة النقاش يفيد بإنشاء سوق نموذجي يلم شتات الباعة هنالك.
وختمت مصادر الجريدة من بلدية العمدة، نور الدين لزرق، القول بأن العقار موضوع النقاش عقار شائك بحكم امتلاكه من قبل الأملاك المخزنية وبحكم موقعه الاستراتيجي الذي يغري كل منعش عقاري، ناهيك عن تداخل الاختصاصات بين بلدية المدينة وعمالتها فضلا عن تدخل جهات، وصفتها المصادر ذاتها، بـ «الشبح» في إشارة إلى «لوبي» العقار الذي يضغط بما لديه من قوة، من أجل الظفر بما استطاعت يده الامتداد إليه، والدليل على ذلك حسب المصادر ذاتها، هو اقتراب الكثير من المتدخلين، من السطو على المكان في أكثر من مناسبة، لولا أن حالت بينهم وبين مرادهم العديد من العراقيل الإدارية والإجراءات المسطرية.

جمعية الرحمة لتجار سوق الصالحين
غداة الحريق الذي شب في سوق «الكلب» قبل أكثر من سنتين، وجد التجار أنفسهم مجبرين على تأسيس إطار يمكنهم من تسهيل الحوار مع السلطة، فحدث أن خرجت جمعية الرحمة لتجار سوق الصالحين إلى الوجود وأخذت على عاتقها الدفاع عن أعضائها أما مختلف السلطات المحلية والمنتخبة بالمدينة، بحسب ما صرح به رئيسها محمد زروال الذي أضاف أنه وباقي مكتب الجمعية يخوض مفاوضات وصفها بالماراطونية مع عمدة المدينة، نور الدين لزرق، وكذا مع عامل المدينة السابق، عبد السلام بيكرات.
وعن مطالب التجار بالسوق ذاته، أجاب زروال بأن الجميع ينتظر تشييد سوق نموذجي يليق وجمالية البنايات والعمارات السكنية المُحيطة بالسوق من كل جانب، مضيفا أن القش والقصدير أضحى وصمة عار على جبين المدينة ككل، وعليه، فإن إحداث سوق بمواصفات «عالية» بات مطلبا ضروريا لما فيه من خير سواء على التجار أنفسهم أو على الزبناء الذين يأتي أغلبهم من أماكن من خارج المدينة.
عن المرفق ذاته، أجاب محدث «الأخبار» بأن أجنحة عديدة تنتشر في زوايا السوق المتعددة، مستشهدا بأجنحة الأحذية والملابس من جهة وأجنحة الخضر والفواكه والأسماك والدجاج من جهة أخرى، ليختم بالقول إن سوق مدينة سلا يوفر لزائريه كل ما يخطر ولا يخطر على بال.
أما بخصوص أهم المشاكل التي تعترض التجار فأوجزها رئيس جمعية الرحمة في المضايقات التي يتعرضون لها من قبل الباعة المتجولين الذين ينصبون عرباتهم في مداخل السوق الرئيسية، معترضين بذلك الزبائن، مضيفا أن الهاجس الأمني يلقي بضوئه هو الآخر على المكان، قبل أن يشير إلى معاناة المدينة ككل مع ظاهرة الإجرام التي غزت مختلف الأحياء على قوله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى