حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرشوف تشوف

سوق سوداء

بالنسبة لبلد يطمح لتنظيم كأس العالم فالمشاهد التي تناقلتها الهواتف والتي توثق لما حدث حول المركب الرياضي بالدار البيضاء لا تخدمه بل تسيء إلى سمعته التنظيمية.
ومثلما يحدث دائما على أكثر من صعيد فعندما يفشل المسؤولون عن تنظيم تظاهرة أو حدث فإن من يدفع ثمن الصحون المكسرة هم أفراد قوات الأمن الذين يجدون أنفسهم مجبرين على إيجاد مخرج للورطة التي تسبب فيها الآخرون.
عندما يفشل المسؤولون عن إيجاد سكن لائق للمواطنين ويخرجون في مسيرات يختفي السياسيون والمنتخبون ويرمي الجميع بالكرة في ملعب الأمن الذي يكون عليه فرض النظام.
عندما يفشل المسؤولون في توفير فرص شغل للعاطلين يحتجون في وقفات ومسيرات ويصبح على الأمن أن يتحمل وزر تداعيات ذلك في الفضاء العام.
وعندما يفشل منظمو لقاء كروي في ضمان دخول الجماهير بشكل سلس وعادي للمركب، كما حدث ليلة السبت، يصبح الأمن مجبرا على مجابهة الشغب لتفادي امتداد الفوضى من الملعب إلى الأحياء السكنية المجاورة.
‎وعلى غرار أغلب المباريات ذات “الضغط العالي”، شهدت عملية دخول الجماهير الرجاوية إلى الملعب فوضى عارمة وتدافعا بين المناصرين، في مشهد شبيه بالذي شهدته مباراة الوداد الرياضي وسيمبا التنزاني، وغيرها من مباريات الديربي والمباريات القارية، وتبين أن دخول الملعب قطعة من العذاب، وأن اجتياز معابره محنة لا تضاهيها محنة.
‎بدأت بوادر الكارثة التنظيمية حين تبين أن المنظمين أغرقوا السوق بالتذاكر، بل إن عددها تجاوز حمولة المركب الرياضي الذي امتلأت مدرجاته ساعات قبل انطلاق المباراة. تساقط أمام البوابات عشرات الضحايا منهم من ضمد جراحه ودخل الملعب ومنهم من عاد إلى بيته يجتر أذيال الخيبة والألم، ومنهم من قضى ساعات المباراة في المستعجلات ومنهم من مات فداء للرجاء، مثل الشابة المشجعة نورا التي ظلت تصرخ تحت الأقدام إلى أن فقدت الوعي، وحين حاول رجاويون إنقاذها تبين أن جحافل المشجعين تفوق عدد المدرجات، وأن الاجتياح يكشف هفوات التنظيم القاتل الذي يصر على أن يجعل لكل مباراة ضحية بعاهة مستديمة أو قبر.
‎في الوقت الذي كانت نورا بين الحياة والموت، كان المكتب المسير للرجاء ورئيسه البدراوي يبادلان التحية لجمهور يتوعده بالحساب، وحين اختلط الحابل بالنابل في مداخل الملعب وتبين أن مسؤولية اللجنة المنظمة وشركة كازا إيفنت ثابتة، بدأت الأطراف المسؤولة في تبادل الاتهامات بعدما عبث أصدقاء الرئيس البدراوي وبعض أفراد مكتبه المسير وشركة “التنشيط” بالتذاكر والدعوات الشرفية التي بيعت في السوق السوداء، رغم أنها كانت مخصصة للمستشهرين ولكبار الضيوف، ناهيك بوجود دعوات مخصصة للكاف معروضة للبيع، كما تشير تسريبات صوتية قبل الفاجعة.
‎سبق لجمعية محبين أن قدمت شكوى ضد شركة كازا إيفنت، حين تبين أن الشغب يخرج من تحت كمها، لكونها المسؤولة عن طبع وبيع التذاكر وتنظيم المباريات، وولوج وخروج المتفرج من المعلب، نظراً لأن خدماتها ليست مجانية بل مؤدى عنها بـ15 % من قيمة التذكرة. ورفعت شكاية مماثلة ضد مجلس المدينة، في شخص رئيسته بصفته مالك الملعب والمفوض تدبيره للشركة، ورئيس نادي الرجاء الرياضي، المسؤول عن اللجنة المنظمة للمباراة، التابعة للمكتب المديري للنادي.
‎ابتلع رئيس كازا إيفنت لسانه ورفض رئيس لجنة الرياضة بمجلس المدينة الكلام، وفضل مصلحة فريقه سيدي معروف على إسداء معروف للرياضة في هذه المدينة، أما رئيس الرجاء فوعد بجنازة لنورا في فضالة وحفل تأبين واشتراك سنوي لأسرتها.
‎وفاة المشجعة نورا ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة، فكرونولوجيا الفواجع على عتبة الملعب الرياضي محمد الخامس لا تحصى، وفاتورة الدم ضاربة في التاريخ، خاصة بعدما فوت المجلس الجماعي هذا المرفق الرياضي لشركة من شركات التنمية الجماعية تشتغل خارج أية رقابة مالية أو إدارية.
‎وفي لائحة الموتى نجد المشجع يوسف حمامة الذي مات وهو يحمل في جيبه تذكرة الملعب، والذي وافاه القدر المحتوم بعد صراع مع الألم في أكثر من مصحة، إثر سقوط مفاجئ من مدرجات مركب محمد الخامس قبيل مباراة فريقه المفضل الرجاء البيضاوي أمام فريق القطن الكاميروني. ولقي سفيان العمراني المشجع الودادي حتفه غرقا في بالوعة للمياه الآسنة قرب بوابة مركب محمد الخامس في الدار البيضاء، قبل انطلاقة المباراة التي جمعت الوداد والأهلي المصري بحوالي ساعتين إذ لفظ أنفاسه من شدة الاختناق، غير بعيد عن المكان الذي سقطت فيه نورا.
و‎مات المشجع يوسف المعطاوي، بعد معاناة مع إصابة بليغة في الرأس، نتيجة تلقيه حجرا طائشا من مناصرين خلال مباراة ديربي. ولفظ الشاب حمزة البقالي أنفاسه في المستشفى إثر كدمات تعرض لها في بوابة مركب محمد الخامس، أثناء حضوره مقابلة في كرة القدم جمعت الجيش الملكي بالوداد.
‎وقتل عشرات المشجعين ورجال الأمن والحراس الخصوصيين في معابر الملعب ومدرجاته، وضاع دمهم هدرا، لأن الفرجة غير آمنة، ولأن القائمين على التنظيم لا يهمهم سوى جمع المال وانتهاز الفرص قبل المهاجمين.
‎نسي اللاعبون، في تصريحاتهم، أن يترحموا، ولو بشكل رمزي، على مناصرة لم يكتـَب لها أن تعيش مباراة الأهلي، ولفظت أنفاسها قبل أن تدور الكرة حول نفسها.
‎ستنضم نورا للائحة شهداء الملعب وسيصبح الداخل إلى هذا الفضاء الرياضي مفقودا والخارج منه مولودا.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى