الرأي

سيارتي الفارهة للبيع

فرصتك لامتلاك سيارة فارهة. محرك قوي بقوة ثمانين حصانا وبغلة ركّالة. هيكل متين يصمد أمام صدمات الدراجات الهوائية وحتى النارية. عجلات ممتازة تسير بتوازن على الطرق المستوية.. لا ينصح بالسير على الطرق كثيرة المنعرجات. صالون من جلد الماعز. مريح جدا. يرخي أعصابك أثناء السياقة ويساعدك على النوم أثناء السياقة. يشتغل محركها فور دفعها.. لذلك تحتاج إلى ثلاثة رجال غلاظ شِداد للدفع كل صباح.. أو تركنَها على منحدر.. لذلك يسهل عليك تشغيل محركها حيث تنزل بسرعة إلى الهاوية. مزودة بمكيف هوائي يشتغل أوتوماتيكيا وفي انسجام تام مع تغيرات المناخ.. يجمّد عظامك في عزّ البرد ويشوي جثتك في عزّ الصهد.
سيارتي الفارهة اشتريتها من فتاة عشرينية كيّسة، اسمها سلمى، موظفة في وكالة بنكية.. كانت تعاملها كأنها بيضة تخشى انكسارها.. بل قل كأنها قلبها النابض بين ضلوعها.. فكلما مرت سلمى بسيارتها- سهوا – على مسنّنة أو حفرة، تتنهد متحسرة وكأن مسمارا رشَقَ في باطن قدمها. وقديما قالوا: إذا أردت شراء سيارة فارهة، فراقب أسلوب سلمى في معاملتها.
وضعتها تحت المراقبة.. أراقب ذهابها وإيابها. أعرف الأماكن التي تتردد عليها. أتنصّت على صوت محركها. أستنشق دخانها. وكلما صعدت سلمى إلى شقتها أهرع إليها.. أقصد، إلى سيارتها.. أهزّها من الخلف هزّا لأتحقق من متانة نوابضها وأتحسس مقابض أبوابها. وأمرر يدي على جسمها الحديدي اللامع. وفجأة.. كأن الأرض دارت بي دورتها حول الشمس في ثانية واحدة.. «بّاااق».. لكمة وحشية من يد بشرية لا ترحم.. وقال رجل محترم حزين إنني سقطت مغشى عليّ.. وتكالب القوم على جسدي وعاثوا فيه ضربا وعضّا.. وما كنت سارقا للسيارة.. فما أنا إلا عاشقا شُغِفتُ بها حبا.. ولا نامت أعين المعتدين.
سيارتي الفارهة تقتصد كثيرا في استهلاك البنزين.. أعبئ الخزّان وأغادر محطة الوقود.. أضغط على دوّاسة السرعة فتومض النقطة البرتقالية في «طابلو السيارة» معلنة عن تسجيل نقص في البنزين. لذلك أرجع إلى المحطة من جديد لأملأ الخزّان من جديد. إنها سيارة عائلية.. وأنا رجل أعيل عائلة مكونة من أربعة أفراد وسيارة.. وحش حديدي مدمّر.. دمّر ميزانيتي وصحتي ونفسيتي وعلاقتي بأمي. أمي التي طردتني من دفء حضنها.. والسبب أنها خيّرتني بين السخط والرضا إذا لم أوافق على نقلها على متن سيارتي اللعينة إلى حيث تقيم أختي المتزوجة في مدينة بعيدة. ولأنني ولد بارّ بنفسي، اخترت السخط لأن ثمن الرضا باهظ لا أستطيع تحمّله. ما أغلى رضاك يا أمي.. لو تخفّضين الثمن قليلا يا أمي.. وأنا أحنّ إلى خبزك وقهوتك وصفعتك يا أمي.
هذا من فضل ربي فلا تنس ذكر الله وأنت تقرر شراء سيارتي.. وتذكّر أنك بدون سيارة تعيش حياة منقوصة الكرامة.. وحياة بدون كرامة، صلعاء كرأس جدك بدون عمامة.. تذكّر أيام الشتاء والمطر خيطا من السماء.. تذكّر شعورك بالغبن وأنت تلوّح بيديك المبلّلتين لسائقي الطاكسيات، فينظرون إليك نظرة تشفٍّ ويمضون.. تذكّر أيام الصيف وشمس غشت تأكل وجهك وعنقك الذي صار أسود مثل دلو. سارع إلى شراء سيارتي، فثمنها قليل وأجر شرائها مني كثير.
«مّوووه».. صوتٌ تطلقه سيارتي ليلا.. كأنها بقرة عجفاء تخور. حاولت معرفة مصدر الصوت دون جدوى.. فلا تخف ولا تدْهَش ولا تذهبَ بك الظّنون إلى الجنون وتعتقد أنها مسكونة من الجن.. كل ما عليك فعله وأنت تهمّ بركوبها صباحا، هو أن تبسملَ ثلاثا وتحوقلَ ثلاثا وتتلوَ آية الكرسي ثلاثا.. وإذا وجدت نفسك مرميا في الثلث الخالي، فتلك رمية موفقة من جن السيارة الذي يتخذ هيئة بقرة عجفاء تخور طوال الليل.
لماذا سأبيع سيارتي؟ سؤال ماكر.. فمعرفة دوافع البيع تساعدك على وضع خطة جيدة للتفاوض معي حول الثمن. إذا أخبرتك بأنني أبيعها بدافع إنساني: صهر ابنة خال عمي يرقد في المستشفى في انتظار إجراء عملية جراحية دقيقة؛ أو أبيعها بدافع ديني: ساهموا في بناء المسجد؛ أو لأنني أمر بضائقة مالية خانقة.. فهل ستضيّقها علي أكثر؟ لا أعتقد.. لأنك مؤمن، تحب للغير ما تحب لنفسك.
معذرة عن خطأ أصاب العنوان حيث جعل سيارتي فارهة بينما هي فارغة.. صحّح الخطأ وأعد قراءة المقال ولا تسرع.. أنا في انتظارك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى