الرأي

شعائر رياضية

حسن البصري

خرجت فصائل «الإلتراس» من الفضاء الأزرق واختارت الفضاء الأخضر مجالا لمناوراتها، استعدادا للعودة الميمونة إلى مدرجات الملاعب. ضربت القيادة العليا للفصائل المشجعة للفرق المغربية موعدا لمناورات الغاية منها إعداد جيش المناصرين ليوم يفتح فيه «الفيراج» في وجه الأنصار، واختبار مدى قدرة الشباب وقياس لياقتهم للعودة إلى الميادين.
لم تقتصر التجمعات على الحدائق العمومية، بل امتدت إلى مقبرة ومصلى وضريح، حيث ترحم زعماء الفصائل على الموتى وقدموا تعليمات صارمة لأتباعهم حول فرجة ما بعد كورونا، ونشروا دعوة التلقيح وسط استنفار أمني عن بعد.
في مدينة طنجة هدد «إلتراس هيركوليس» فصيل مشجعي فريق مدينة البوغاز بإسقاط الرئيس ومن معه، والخروج إلى الشارع العام، وفي اليوم الموالي دعا والي طنجة أعضاء المكتب المسير لاجتماع طارئ بمقر الولاية انتهى باستقالة عاجلة، وتبين أن زعيم «إلتراس» في بلادي أشبه بالحجاج الثقفي يخشاه الرؤساء كلما خطب في أتباعه: «أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها».
في مدن أخرى تشهر فصائل المشجعين ورقة الحراك الرياضي فيتساقط الرؤساء والمدربون كأوراق الخريف، فيما يرسل أكثر من «إلتراس» تحذيراته إلى من يهمهم أمر الفريق ليبدأ العد العكسي للانسحاب من ساحة الوغى تاركين خلفهم سبايا وعتادا وأوراقا من دفاتر النكبة.
ليست كل تجمعات فصائل المشجعين استنفارا ومناورات، ففي أكثر من لقاء كان الهاجس الاقتصادي حاضرا، حيث يتحول التجمع إلى سوق لعرض منتوج جديد، أو لتكفير من لا يرتدي لون الفصيل ويؤمن بأفكار «الفيراج».
في ظل عجز الأحزاب السياسية عن تأطير الشباب، واستقالة الأسرة عن لعب دور التربية، وأمام التهافت على الصلاة على قبلة الفضاء الأزرق، مع ما رافق هذا التحول من بطالة فكرية، كان لابد لثقافة «الإلتراس» أن تمتد وتتوسع وتملأ الفراغ.
اليوم ينعم زعماء فصائل «الإلتراس» بإجازة، وينكب الرفاق في خلوتهم على إخضاع عتادهم الحربي للصيانة، فقد أضحى «الوي كلو» فرصة لزيارة المعتقلين منهم، والتبرع بالدم بعد أن تبرعوا بالروح، وإعادة رسم «طاغات» الفصيل على الجدران الرطبة وعلى المحفظات وفي الأجساد.
كلما طال الفراق يزداد الحنين والاشتياق، لقد فتحت المدارس أبوابها ولازال قرار إغلاق المدرجات ساري المفعول، انطلقت الدراسة وسيضرب المدرسون وحين يدخل الدوري مراحله الحاسمة سيضرب «الإلتراس» وبين المحطتين عشنا فاصلا سياسيا انضم فيه أفراد من فصائل المشجعين للمرشحين على سبيل الإعارة، وغنوا قبل فتح صناديق الاقتراع «نلعبو عليها ونجيبوها والله ما تروحي».
يعيش قادة حركة «الإلتراس» حالة تفاؤل قصوى، بسبب اندماج التعليم مع الرياضة، لكن البعض منهم أساء فهم هذا القران، فأجازوا لأنفسهم استخدام ساحات المدارس والثانويات لعقد التجمعات ونشر دعوة «الموفمون»، بينما فضل أدباء وتشكيليون إنهاء العمل بجداريات زمان التي تذكرنا بأن «العلم نور والجهل عار» وتدعونا للحفاظ على نظافة المؤسسة واقتصاد الماء، وغيرها من الصور والحكم الأشبه بالتسديدات المباشرة، وتعويضها بـ«طاغات» تروج لفكر «الإلتراس» تجعل التلميذ يردد في قرارة نفسه: «قف للكابو وفه التبجيلا».
تجاوزت القضية حدود جداريات المدارس والأزقة، إلى البيوت من مطبخها إلى دورات المياه، في ما يشبه أدب الجدران، الذي يكرس تحول التشجيع من هواية إلى هوس ثم إلى عقيدة، حتى الذين لم يهتفوا يوما بحياة زعيم سياسي، ولم يقدموا فروض الطاعة لأمير متطرف وجدوا في زعماء «الإلتراس» مواصفات القيادة فبايعوهم في الفضاء الأزرق سرا وفي «الفيراج» علانية.
جمهور الكرة في زمن ما بعد كورونا، لن يكون نسخة من جمهور ما قبل الوباء، سيحتاج لكثير من الوقت كي يستعيد إيقاع التشجيع، سيضطر لاستبدال بعض قادته وإخضاع الوافدين الجدد لعملية إحماء، سيعلن عن مسابقة أدبية بين شعراء المدرجات، وقبل هذا وذاك سيلتمس في يوم الافتتاح الرحمة والمغفرة لمن لفتهم الجائحة في أكفان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى