عبد الوافي نجل الشيخ المختار السوسي.. محافظ للتراث الفكري لعلامة سوس
أولاد خدام الدولة.. أبناء لا يعيشون في جلابيب آبائهم -6-

ليس محمد المختار السوسي واحدا من خدام الدولة فقط، فقد اجتمع فيه ما تفرق في غيره. هو واحد من أئمة المغرب ومن كبار علمائه، الذين تفاخر بهم سوس العالمة، بل هو سليل أسرة علم، فوالده هو الشيخ علي الإلغي السوسي. نشأ في بيئة والده الصوفية، فتلقى أصول التربية الدرقاوية الشاذلية.
لم يبق حبيس منطقته، بل هاجر إلى مدينة فاس، وأخذ عن كبار أعلامها، والتحق بالحركة الوطنية مبكرا، وكان من روادها، بل من رواد التيار المحافظ فيها، وتعرض للتعذيب والاعتقال والنفي.
تفرغ للتاريخ وتخصص في منطقة سوس، التي ألف عنها أكثر من خمسين مجلدا، حول أشرافها وأدبائها وأعلامها ورموزها وأزال الغبار عن شخصيات كانت تعيش في العتمة. من خلال كتابه «المعسول» في عشرين مجلدا، وكان أديبا شاعرا من شعراء المعلقات، ورائدا في العمل الخيري من خلال تأسيسه للجمعية الخيرية الإسلامية لمراكش، كما كان مربيا أيضا وصانعا للأجيال، حين افتتح المدارس العلمية الوطنية، واهتم بالإعلام.
بعد الاستقلال، تقلد مناصب عليا كوزارة المعارف ووزارة التاج، دون أن تمنعه هذه المناصب الحكومية عن ممارسة شغفه العلمي والصوفي، ما يظهر بجلاء في مؤلفاته، خاصة مقدمة «سوس العالمة»، لم يكن المختار مهتما بمنصبه الوزاري كوزير للتاج، بل كان همه الأول هو التأليف، بعد أن وجد في كتابه «المعسول» أجوبة للعديد من الأسئلة العالقة، سيما وأن كتابته عبرت مراحل عديدة من المعتقل إلى الاستوزار.
بعد تشكيل الحكومة الأولى بعد الاستقلال، تم تكليف المختار بوزارة الأحباس، (الأوقاف) في حكومة البكاي الأولى، وعند تشكيل الحكومة الثانية التي أدى أعضاؤها القسم يوم السبت 27 أكتوبر 1956، وأثناء خطاب التنصيب لعاهل المغرب جاء في آخره: (هذا وقد أسسنا مجلسا استشاريا خاصا بالتاج، عينا فيه السادة: الفقيه الشريف سيدي محمد بن العربي العلوي ـ الفقيه السيد المختار السوسي ـ والسيد الحسن اليوسي مستشارين، مع إعطائهم صفة وزراء). وزراء التاج لهم صفة وزير مستشار بمجلس التاج، ولا يمكن تغييرهم بتغيير الحكومات، لهذا استمر المختار في منصبه هذا لوحده إلى وفاته، بعد أربعة أيام من تشكيل الحكومة التاسعة، إثر حادثة سير مروعة سنة 1963.
حين أوفى عبد الوافي بوعده
أمسك عبد الوافي، ابن نابغة سوس محمد المختار السوسي، بخيوط العلم والمعرفة وظل محافظا على الإرث الفكري للراحل، من خلال مؤسسة تحمل اسم الفقيد. بل إن هداياه إلى رجال العلم غالبا ما تكون من عصارة أفكار الراحل، خاصة كتابه «التراتبية في الكشف والبيان عن كتابات ومؤلفات سيدنا الوالد، محمد المختار السوسي، حسب الزمان والمكان»، وهو كتاب نفيس للغاية، يعتبر سيرة لوالده محمد المختار السوسي.
لم يدرك عبد الوافي من حياة والده المختار سوى عامين، وبالرغم من ذلك فقد نذر حياته لنشر تراث والده والكتابة عنه، فأصدر الكثير من مؤلفاته، وألف هو نفسه حول حياته، ونقح بعض مؤلفاته الأخرى.
يقول المقربون من عبد الوافي: «مع قلة المعين، فهو عصامي يبذل ماله ووقته وصحته دون دعم من الجهات الوصية على التراث الفكري»، سيما بعد أن وضع اللبنة الأولى لمؤسسة محمد المختار السوسي للثقافة.
سجلت مؤسسة المختار السوسي موقفا هاما، حين تصدت لمذكرة تقضي بتغيير اسم مجموعة مدارس المختار السوسي، بمركزية أيت وافقا بإقليم تيزنيت، فأصدرت عائلة المختار السوسي بيانا استنكاريا، حمل توقيع رضى الله عبد الوافي المختار السوسي، ممثل الأسرة والمسؤول عن تراث والده، تأسف فيه لمحو اسم علم أمازيغي كان من أشد المدافعين عن الأمازيغية وعن العلم. «أليس هو من أحيا تاريخها وتاريخ رجالاتها العلماء والفقهاء والصوفية والشيوخ والقواد، وأبان عن كثير من مؤلفاتهم ووثائقهم ومخطوطاتهم والتعريف بأسرهم العلمية والثقافية».
صفية «أم الطلبة» ومربية الأجيال
لا ينسى الابن دور والدته صفية بنت إبراهيم التازروالتي، إذ وصفها عبد الوافي، في كتاب تحت عنوان «أم الطلبة»، بالشريفة لالة صفية التي وهبت حياتها لخدمة طلبة العلم، إذ كانت تعتني، في مدرسة الرميلة المراكشية، «بإكرام طلبتها وضيوف زوجها العلماء والأدباء وغيرهم من الفضلاء».
وأضاف: «أما بيتنا فكان بمثابة زاوية يقصدها طلاب العلم الذين كانوا يمكثون معنا وكأنهم أفراد من الأسرة، وكانت والدتي صفية بنت إبراهيم ترعاهم وتخدمهم طيلة فترة تحصيلهم العلمي ومقامهم بمدرسة بزاوية والده، الذي كان يلح على أدق التفاصيل وأبسطها، وفيها إشارة حتى إلى مصاريف البيت واحتياجاتنا اليومية من مأكل ومشرب، وأذكر أنه ختم رسالته بالقول: «وهكذا يا عبد السلام تضبط حسابك»، في إشارة إلى ميزانية البيت.
في الوقت الذي كان الوالد يرصد ماله في طبع الكتب، «وعلى الرغم من بلوغه الوزارة، إلا أنه ظل يرصد راتبه للتأليف. أمضى والدنا ما يقرب من الأربع سنين الأخيرة من حياته في طبع مؤلفاته، حيث طبع 35 جزءا منها، ولكي يتمكن من أداء نفقات الطبع، اضطر إلى بيع خزانة كتبه إلى جمعية علماء سوس، وكذلك بيع منزل له بالرباط، ومستعينا أيضا بما يخصصه لذلك من مرتبه الذي كان يتقاضاه عن منصبه في الوزارة وفي القضاء».
في صبيحة يوم السبت 26 مارس 2005، فاضت روح صفية. «حل بالعائلة يومها مصاب جلل ورزء جسيم هز كيانها، ولتخليد ذكراها، نظمت مؤسسة المختار السوسي لقاء يسلط الضوء على مسيرتها النضالية ودورها في تربية الأبناء ومرافقة العلامة، بجانب زوجها لتذليل العقبات في طريقه، ومعاونته على حمل رسالة الفلاح في كل ميدان كان يخوض فيه، عبر أهم محطات حياتها، وما كتبه الوالد عنها، منذ اختيارها شريكة حياته إلى أن فرق الدهر بينهما، ولتبقى نصف عمرها الثاني وفية لعهده، مربية لأبنائه، ومستكملة لمسيرتها إلى أن التحقت به في دار الخلود».
نافذة:
لم يدرك عبد الوافي من حياة والده المختار سوى عامين وبالرغم من ذلك فقد نذر حياته لنشر تراث والده والكتابة عنه فأصدر الكثير من مؤلفاته وألف هو نفسه حول حياته ونقح بعض مؤلفاته الأخرى





