
الملك محمد السادس يقود ثورة الانتقال إلى الطاقات الخضراء
ترأس الملك محمد السادس، يوم السبت 3 دجنبر 2022 بالقصر الملكي بالرباط، مراسيم تقديم البرنامج الاستثماري الأخضر الجديد للمجمع الشريف للفوسفاط (2023 – 2027) وتوقيع مذكرة التفاهم بين الحكومة ومجموعة OCP المتعلقة بهذا البرنامج.
ويندرج هذا الحفل في إطار التوجه الإرادي الذي كرسه الملك محمد السادس، منذ عدة سنوات، في مجال الانتقال إلى الطاقات الخضراء والاقتصاد الخالي من الكربون. كما يأتي امتدادا لجلسة العمل التي ترأسها الملك في 22 نونبر الماضي، والتي خصصت لتطوير الطاقات المتجددة والآفاق الجديدة المفتوحة في هذا المجال.
وفي بداية هذا الحفل، قدم مصطفى التراب، الرئيس المدير العام لمجموعة OCP، أمام الملك نتائج البرنامج الاستثماري السابق للمجموعة، الذي ارتكز على التوجيهات الملكية سنة 2012، والذي مكن من ترسيخ مكانة المجموعة بقوة في سوق الأسمدة، حيث تضاعفت قدرات إنتاج الأسمدة ثلاث مرات، ما جعل المجموعة اليوم أحد أكبر منتجي ومصدري الأسمدة الفوسفاطية في العالم.
واعتمدت مجموعة OCP على قدرات البحث والتطوير التي تزخر بها جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية (UM6P) من أجل الاستفادة من الفرص التي تتيحها التكنولوجيات الصناعية والرقمية الجديدة، وتطوير الخبرات في مجال التقنيات المبتكرة للتسميد المعقلن القادرة على رفع تحديات الفلاحة المستدامة والأمن الغذائي.
برنامج استثماري أخضر
إثر ذلك، قدم التراب، أمام الملك، البرنامج الاستثماري الأخضر الجديد لمجموعة OCP. ويرتكز هذا البرنامج على الرفع من قدرات إنتاج الأسمدة، مع الالتزام بتحقيق الحياد الكربوني قبل سنة 2040، وذلك من خلال الاعتماد على الإمكانات الفريدة من الطاقة المتجددة، وعلى المنجزات والمكاسب التي حققتها المملكة في هذا المجال، بفضل قيادة ورؤية الملك محمد السادس.
ومن خلال الاستثمار في الطاقة الشمسية والطاقة الريحية، تهدف المجموعة إلى تزويد جميع منشآتها الصناعية بالطاقة الخضراء بحلول سنة 2027. وستمكن هذه الطاقة الخالية من الكربون من تزويد المنشآت الجديدة لتحلية مياه البحر، من أجل تلبية احتياجات المجموعة، وكذا تزويد المناطق المجاورة لمواقع المجمع الشريف للفوسفاط بالماء الصالح للشرب والري.
وستمكن هذه الاستثمارات، على المدى البعيد، من وضع حد لاعتماد المجموعة، التي تعتبر المستورد الأول للأمونياك على الصعيد العالمي، على هذه الواردات، وذلك عبر الاستثمار في سلسلة الطاقات المتجددة – الهيدروجين الأخضر – الأمونياك الأخضر، ما سيمكنها من ولوج سوق الأسمدة الخضراء بقوة وحلول التسميد الملائمة للاحتياجات الخاصة لمختلف أنواع التربة والزراعات.
وسيتم تعزيز هذا الطموح من خلال برامج دعم المقاولات الصناعية الصغرى والمتوسطة، وكذا المقاولات الفاعلة في قطاعي الطاقة والفلاحة. وهو ما سيساهم في بروز منظومة بيئية وطنية مبتكرة، وخلق فرص جديدة للشغل والإدماج المهني للشباب.
وخصص لهذا البرنامج الجديد، الذي يهدف إلى ترسيخ المكانة العالمية لمجموعة OCP، استثمار إجمالي يقدر بـ 130 مليار درهم خلال الفترة 2023 – 2027، ويهدف إلى تحقيق نسبة إدماج محلي تصل إلى 70 في المائة، إضافة إلى مواكبة 600 مقاولة صناعية مغربية، وخلق 25000 منصب شغل مباشر وغير مباشر.
ولهذه الغاية، ترأس الملك مراسيم توقيع مذكرة تفاهم بشأن هذا البرنامج الاستثماري بين الحكومة ومجموعة OCP، ممثلين على التوالي بوزير الداخلية، وزيرة الاقتصاد والمالية، وزير التجهيز والماء، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، والوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية من جهة، والرئيس المدير العام لمجموعة OCP من جهة أخرى.
تطوير الطاقات المتجددة
قبل ذلك، ترأس الملك محمد السادس، يوم 22 نونبر الماضي، بالقصر الملكي بالرباط، جلسة عمل خصصت لتطوير الطاقات المتجددة والآفاق الجديدة في هذا المجال، حسب بلاغ للديوان الملكي، أشار إلى أن الجلسة تندرج في إطار التتبع المنتظم لصاحب الجلالة للأهداف الاستراتيجية التي حددتها المملكة في مجال تطوير الطاقات المتجددة على نطاق واسع، سيما ما يتعلق برفع حصة هذه الطاقات إلى أزيد من 52 بالمائة من المزيج الكهربائي الوطني في أفق 2030.
وفي السياق ذاته، أشار بلاغ الديوان الملكي إلى أنه تم، خلال هذا الاجتماع، تقديم عرض بين يدي الملك حول تقدم برنامج تطوير الطاقات المتجددة. ويمكن هذا البرنامج، الذي يعد ثمرة الرؤية المتبصرة لجلالة الملك، المغرب من تأكيد ريادته الإقليمية والعالمية في هذا القطاع الهام للانتقال الطاقي.
وبهذه المناسبة، أعطى الملك توجيهاته السامية بهدف تسريع وتيرة تطوير الطاقات المتجددة، سيما الطاقات الشمسية والريحية. ويتعين على المغرب، بناء على ما راكمه من تقدم في هذا المجال، تسريع وتيرة تنزيل الطاقات المتجددة من أجل تعزيز سيادته الطاقية، وتقليص كلفة الطاقة والتموقع في الاقتصاد الخالي من الكربون في العقود القادمة. ويتعلق الأمر، خصوصا، بتسريع وتيرة إنجاز المشاريع التي توجد قيد التطوير، وكذا التثمين الأمثل لتنافسية المغرب من أجل استقطاب مزيد من الاستثمارات الوطنية والأجنبية في هذا القطاع.
وفي هذا الصدد، أمر الملك بتسريع وتيرة إنجاز المشاريع الثلاثة للطاقة الشمسية نور ميدلت، ومن جهة أخرى، تفتح التنافسية المتصاعدة للطاقات المتجددة آفاقا واعدة للمملكة، سيما في مجالات تحلية مياه البحر والقطاع الواعد للهيدروجين الأخضر واستخداماته.
وبهدف الارتقاء بالمغرب إلى نادي الدول ذات المؤهلات القوية في هذا القطاع المستقبلي، والاستجابة للمشاريع المتعددة التي يحملها المستثمرون والرواد العالميون، أعطى الملك تعليماته ببلورة «عرض المغرب» عملي وتحفيزي في أقرب الآجال، يشمل مجموع سلسلة القيمة لقطاع الهيدروجين الأخضر بالمغرب. ويتعين أن يشمل، إلى جانب الإطار التنظيمي والمؤسساتي، مخططا للبنيات التحتية الضرورية.
اهتمام وتتبع ملكي لأزمة الماء
دعا الملك محمد السادس، إلى أخذ إشكالية الماء في كل أبعادها بالجدية اللازمة، سيما عبر القطع مع كل أشكال التبذير، والاستغلال العشوائي وغير المسؤول لهذه المادة الحيوية.
وأكد الملك، في خطاب خلال ترؤسه لافتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة، أن «الحالة الراهنة للموارد المائية تسائلنا جميعا، حكومة ومؤسسات ومواطنين، وتقتضي منا التحلي بالصراحة والمسؤولية في التعامل معها، ومعالجة نقط الضعف، التي تعاني منها».
وبعدما أشار إلى أن مشكلة الجفاف وندرة المياه لا تقتصر على المغرب فقط، أبرز الملك أن المغرب أصبح يعيش في وضعية «إجهاد مائي هيكلي»، وأنه لا يمكن حل جميع المشاكل بمجرد بناء التجهيزات المائية المبرمجة، رغم ضرورتها وأهميتها البالغة. وشدد الملك على أنه ينبغي ألا يكون مشكل الماء موضوع مزايدات سياسية، أو مطية لتأجيج التوترات الاجتماعية، معتبرا أنه «كلنا كمغاربة مدعوون لمضاعفة الجهود، من أجل استعمال مسؤول وعقلاني للماء».
تغيير حقيقي
في هذا الصدد، حث الملك على «إحداث تغيير حقيقي في سلوكنا تجاه الماء»، مشيرا إلى أنه على الإدارات والمصالح العمومية أن تكون قدوة في هذا المجال.
وقال: «يجب العمل على التدبير الأمثل للطلب، بالتوازي مع ما يتم إنجازه في مجال تعبئة الموارد المائية»، مضيفا أنه «على المدى المتوسط، يجب تعزيز سياستنا الإرادية في مجال الماء، وتدارك التأخر الذي يعرفه هذا القطاع».
وشدد الملك على أن «واجب المسؤولية يتطلب اليوم اعتماد اختيارات مستدامة ومتكاملة، والتحلي بروح التضامن والفعالية، في إطار المخطط الوطني الجديد للماء، الذي ندعو إلى التعجيل بتفعيله».
وفي هذا الإطار، ركز الملك على أربعة توجهات رئيسية، تتمثل أساسا، في ضرورة إطلاق برامج ومبادرات أكثر طموحا، واستثمار الابتكارات والتكنولوجيات الحديثة في مجال اقتصاد الماء، وإعادة استخدام المياه العادمة، وإعطاء عناية خاصة لترشيد استغلال المياه الجوفية، والحفاظ على الفرشات المائية، من خلال التصدي لظاهرة الضخ غير القانوني والآبار العشوائية.
ويتعلق التوجه الملكي الثالث بالتأكيد على أن سياسة الماء ليست مجرد سياسة قطاعية، وإنما هي شأن مشترك يهم العديد من القطاعات. أما التوجه الرابع فيقتضي ضرورة الأخذ بعين الاعتبار التكلفة الحقيقية للموارد المائية، في كل مرحلة من مراحل تعبئتها، وما يقتضي ذلك من شفافية وتوعية بكل جوانب هذه التكلفة.
وذكر الملك، في خطابه، بأن إشكالية تدبير الموارد المائية تطرح نفسها بإلحاح، خاصة أن المغرب يمر بمرحلة جفاف صعبة، هي الأكثر حدة منذ أكثر من ثلاثة عقود، مما دفع منذ شهر فبراير الماضي إلى اتخاذ مجموعة من التدابير الاستباقية، في إطار مخطط مكافحة آثار الجفاف، بهدف توفير ماء الشرب، وتقديم المساعدة إلى الفلاحين، والحفاظ على الماشية.
وفي سياق متصل، أشار الملك إلى أنه تم عقد عدة جلسات عمل بشأن هذه المسألة، تكللت بإخراج البرنامج الوطني الأولوي للماء 2020- 2027، مذكرا بأنه تم العمل على مـواصلة بناء السدود، وتسريع إنجاز المشاريع، التي يتضمنها هذا البرنامج في كل جهات ومناطق المملكة.
البرنامج الوطني للتزود بالماء
ترأس الملك محمد السادس، بالقصر الملكي بالرباط، جلسة عمل خصصت لتتبع البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020-2027.
وأفاد بلاغ للديوان الملكي بأن هذا الاجتماع يندرج في إطار العناية والرعاية التي يوليهما الملك محمد السادس لقضية الماء ذات الطابع الاستراتيجي، والتي كانت، على الخصوص، موضوع التوجيهات الملكية الهامة التي تضمنها خطاب افتتاح البرلمان في أكتوبر الماضي وثلاث جلسات عمل ترأسها الملك. وخلال هذه الجلسة، قدم نزار بركة، وزير التجهيز والماء، عرضا بين يدي الملك حول الوضعية المائية وتقدم تنفيذ مختلف مكونات هذا البرنامج، وهكذا، يضيف البلاغ، وتماشيا مع التعليمات الملكية الرامية إلى تسريع وتيرة هذا البرنامج وتحيين محتوياته، تم تخصيص اعتمادات إضافية هامة بما يمكن من رفع ميزانيته الإجمالية إلى 143 مليار درهم.
وتمت الإشارة في هذا الإطار إلى تسريع مشروع الربط بين الأحواض المائية لسبو وأبي رقراق وأم الربيع، حيث يتم حاليا إنجاز الشطر الاستعجالي لهذا الربط على طول 67 كيلومترا،
وبرمجة سدود جديدة، وتحيين تكاليف حوالي 20 سدا يتوقع إنجازها، والتي ستمكن من الرفع من قدرة التخزين بـ 6.6 ملايير متر مكعب من المياه العذبة، وتسريع مشاريع تعبئة المياه غير التقليدية، من خلال برمجة محطات لتحلية مياه البحر، والرفع من حجم إعادة استعمال المياه العادمة المعالجة، بالإضافة إلى تعزيز التزود بالماء الصالح للشرب في العالم القروي، من خلال توسيع التغطية لتشمل المزيد من الدواوير وتعزيز الموارد اللوجستية والبشرية المعبأة.
ومن جهة أخرى، وبالنظر إلى الوضع المناخي والمائي الذي أثر هذه السنة، مرة أخرى بشكل سلبي، على سير الموسم الفلاحي وتوفر المراعي، أعطى الملك محمد السادس تعليماته إلى الحكومة لتفعيل، وعلى غرار السنة السابقة، الإجراءات الاستعجالية لبرنامج مكافحة آثار الجفاف. وفي الختام، حث الملك القطاعات والهيئات المعنية على مضاعفة اليقظة في هذا المجال الحيوي، والتحلي بالفعالية في تنفيذ المشاريع المبرمجة وفقا للجدول الزمني المحدد.
ضمان الأمن المائي
قال نزار بركة، وزير التجهيز والماء، إن التوجيهات الملكية التي جاءت في جلسة العمل التي ترأسها الملك محمد السادس، تهدف إلى ضمان الأمن المائي والغذائي، وكذا ضمان تزويد المواطنين والمواطنات في الحواضر وفي المناطق القروية بالمملكة بالماء الصالح للشرب.
وأبرز بركة، في تصريح للصحافة على هامش جلسة العمل هاته، التي خصصت لتتبع البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020-2027، أن الملك ركز في هذا الاجتماع على ضرورة عمل الحكومة على «أولا تسريع وتيرة إنجاز السدود الكبرى والصغرى والمتوسطة، وثانيا العمل على تسريع وتيرة محطات تحلية مياه البحر». وأضاف وزير التجهيز والماء أن هذه المبادرات ستضطلع بدور أساسي في ضمان تزويد المواطنين والمواطنات بالماء الصالح للشرب، وكذلك في ضمان التوفر على الماء المخصص للفلاحة.
وأشار بركة إلى أن الملك أكد، أيضا، على ضرورة العمل على تسريع الربط بين السدود، سيما بين الحوض المائي لسبو وحوض أبي رقراق وحوض أم الربيع، لافتا إلى أن «الأشغال انطلقت ما بين حوض سبو وحوض أبي رقراق، وستستمر إلى حوض أم الربيع لتصل إلى سد المسيرة»، وأوضح أن «الغاية من ذلك هي الحؤول دون ضياع 500 إلى 800 مليون متر مكعب من المياه التي تصب في البحر دون الاستفادة منها»، والعمل على استثمارها في المناطق الأكثر حاجة إلى الماء الصالح للشرب في العالم القروي، وكذا في المناطق السقوية بالنسبة إلى الفلاحة.
كما تم خلال هذا الاجتماع، يضيف الوزير، التركيز على الرفع من معالجة المياه العادمة من 30 مليون متر مكعب إلى 100 مليون متر مكعب، موضحا أن هذه الإجراءات ستساهم بالإضافة إلى الاقتصاد في استعمال الماء، في «العمل على المحافظة على الفرشة المائية».
وبحسب بركة، تم التركيز، أيضا، على النجاعة المائية وسبل تقليص الخسائر على مستوى قنوات المياه في ما يخص الري بالماء الصالح للشرب، وكذا تسريع برنامج السقي بالتنقيط لبلوغ مليون هكتار في أفق سنة 2030.
حرص ملكي على دعم الاستثمار المنتج للتنمية وفرص الشغل
بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة، دعا الملك محمد السادس إلى ضرورة تعبئة جميع المؤسسات والفاعلين بالقطاع الخاص، والتحلي بروح المسؤولية، للنهوض بالاستثمار، الذي يظل قطاعا مصيريا لتقدم البلاد.
تعاقد وطني للاستثمار
قال الملك، في خطابه أمام مجلسي البرلمان، «وبما أن الاستثمار هو شأن كل المؤسسات والقطاع الخاص، فإننا نؤكد على ضرورة تعبئة الجميع، والتحلي بروح المسؤولية، للنهوض بهذا القطاع المصيري لتقدم البلاد». وأبرز الملك، في هذا الصدد، أن الهدف الاستراتيجي هو أن يأخذ القطاع الخاص المكانة التي يستحقها في مجال الاستثمار كمحرك حقيقي للاقتصاد الوطني.
وشدد الملك على أن المقاولات المغربية ومنظماتها الوطنية والجهوية والقطاعية مدعوة لأن تشكل رافعة للاستثمار وريادة الأعمال، وأضاف أن القطاع البنكي والمالي الوطني مطالب بدعم وتمويل الجيل الجديد من المستثمرين والمقاولين، خاصة الشباب والمقاولات الصغرى والمتوسطة. وجدد الملك، كذلك، الدعوة لإعطاء عناية خاصة لاستثمارات ومبادرات أبناء الجالية المغربية بالخارج.
ولتحقيق الأهداف المنشودة، حث الملك الحكومة، بتعاون مع القطاع الخاص والبنكي، على ترجمة التزامات كل طرف في «تعاقد وطني للاستثمار»، مشيرا إلى أن هذا التعاقد يهدف إلى تعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات، وخلق 500 ألف منصب شغل، في الفترة بين 2022 و2026.
وفي هذا السياق، قال الملك «إننا نراهن، اليوم، على الاستثمار المنتج کرافعة أساسية لإنعاش الاقتصاد الوطني، وتحقيق انخراط المغرب في القطاعات الواعدة؛ لأنها توفر فرص الشغل للشباب، وموارد التمويل لمختلف البرامج الاجتماعية والتنموية»، وأضاف «ننتظر أن يعطي الميثاق الوطني للاستثمار دفعة ملموسة على مستوى جاذبية المغرب للاستثمارات الخاصة الوطنية والأجنبية. وهو ما يتطلب رفع العراقيل التي لاتزال تحول دون تحقيق الاستثمار الوطني لإقلاع حقيقي على جميع المستويات».
وقال الملك إن «المراكز الجهوية للاستثمار مطالبة بالإشراف الشامل على عملية الاستثمار، في كل المراحل، والرفع من فعاليتها وجودة خدماتها، في مواكبة وتأطير حاملي المشاريع، حتى إخراجها إلى حيز الوجود»، وتابع أنه «في المقابل، ينبغي أن تحظى بالدعم اللازم، من طرف جميع المتدخلين، سواء على الصعيد المركزي أو الترابي».
وسجل الملك أنه، «على مستوى مناخ الأعمال، فقد مكنت الإصلاحات الهيكلية التي قمنا بها، من تحسين صورة ومكانة المغرب في هذا المجال»، ولكن النتائج المحققة، يقول الملك، تحتاج إلى المزيد من العمل لتحرير كل الطاقات والإمكانات الوطنية، وتشجيع المبادرة الخاصة وجلب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
وفي هذا الصدد، شدد الملك، مرة أخرى، على ضرورة التفعيل الكامل لميثاق اللاتمركز الإداري، وتبسيط ورقمنة المساطر، وتسهيل الولوج إلى العقار، وإلى الطاقات الخضراء، وكذا توفير الدعم المالي لحاملي المشاريع.
ولتقوية ثقة المستثمرين في بلادنا، كوجهة للاستثمار المنتج، دعا الملك إلى «تعزيز قواعد المنافسة الشريفة، وتفعيل آليات التحكيم والوساطة، لحل النزاعات في هذا المجال».
الميثاق الجديد للاستثمار
دخل الميثاق الجديد للاستثمار حيّز التنفيذ بعد المصادقة عليه من طرف البرلمان ونشره بالجريدة الرسمية. ويهدف الميثاق إلى توفير أنظمة دعم غير مسبوقة في تاريخ المغرب، تشمل كل الاستثمارات، كبيرة كانت أو صغيرة، وجميع المستثمرين، مغاربة كانوا أو أجانب، وجميع المجالات الترابية بدون استثناء، لنمو اقتصادي منصف، شامل، أخضر، مستدام وموجه نحو مهن المستقبل. وحسب الميثاق، يجب على كل مستثمر يرغب في الاستفادة من نظام الدعم
الأساسي أو من نظام الدعم الخاص المطبق على مشاريع الاستثمار ذات الطابع الاستراتيجي أو من نظام الدعم الخاص الرامي إلى تشجيع المقاولات المغربية على التواجد على الصعيد الدولي أن يبرم مع الدولة اتفاقية استثمار تحدد، على وجه الخصوص، التزامات الدولة والمستثمر وكيفيات تنفيذها. وعلاوة على أنظمة الدعم المنصوص عليها في الميثاق، يستفيد كل مشروع استثماري كان موضوع اتفاقية استثمار مبرمة مع الدولة من امتيازات ضريبية وجمركية وفق الشروط المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل. وجاء، في ديباجة القانون، أنه أصبح من الضروري، بعد انصرام أكثر من 26 سنة على صدور القانون-الإطار رقم 18.95 بمثابة ميثاق للاستثمارات، القيام بإصلاح سياسة الدولة في مجال تنمية الاستثمار وتشجيعه، من أجل ملاءمتها مع متطلبات النموذج التنموي الجديد ومع التحولات المؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتكنولوجية العميقة على الصعيدين الوطني والدولي.
وأوضحت الديباجة أن هذا الإصلاح المهم، الذي يشمل نظام دعم الاستثمار والتدابير الرامية إلى تعزيز جاذبية المملكة، يندرج ضمن الإصلاحات المهيكلة التي باشرها المغرب، تحت قيادة الملك محمد السادس، في مجال تنمية الاستثمار وتسهيل عملية الاستثمار. وتتجلى هذه الإصلاحات، على وجه الخصوص، في تفعيل الجهوية المتقدمة، وصدور الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، وإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار، وتبسيط المسـاطر والإجراءات الإدارية، وإحداث صندوق محمد السادس للاستثمار، وتنمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وصدور القانون – الإطار المتعلق بالإصلاح الضريبي، والشروع في إصلاح عميق لقطاع المؤسسات والمقاولات العمومية.
ويأتي هذا القانون-الإطار لتعزيز هذه الدينامية من الإصلاحات التي يشهدها المغرب، حيث يحدد، استنادا إلى التوصيات الواردة في التقرير العام لسنة 2021 الذي أعدته اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، الأهداف الأساسية لعمل الدولة في مجال تنمية الاستثمار وتشجيعه، في أفق جعل المغرب قطبا قاريا ودوليا جاذبا للاستثمارات.
ولهذه الغاية تم وضع أنظمة لدعم الاستثمار تتضمن نظام دعم أساسي وأنظمة دعم خاصة. ويروم النظام الأساسي دعم مشاريع الاستثمار التي تستجيب لمعايير محددة، وتقليص الفوارق بين أقاليم وعمالات المملكة في مجال جذب الاستثمارات، وتنمية الاستثمار في قطاعات الأنشطة ذات الأولوية، وأما الأنظمة الخاصة فترمي إلى دعم مشاريع الاستثمار ذات الطابع الاستراتيجي، والمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، وتواجد المقاولات المغربية على الصعيد الدولي.
وسيتم، وفق جدولة زمنية محددة، إصدار النصوص اللازمة لتنفيذ مجموع هذه التدابير. وأكد المصدر ذاته أن أنظمة دعم الاستثمار تقع في صلب سياسة الدولة في مجال تنمية الاستثمار وتشجيعه، وهناك إصلاحات موازية يتعين مواصلتها أو مباشرتها في مجال الولوج إلى التمويل، وتعزيز تنافسية قطاع اللوجستيك، واللجوء إلى الطاقات المتجددة، والولوج إلى العقار وتسهيل عملية الاستثمار. وأشارت إلى أن تنفيذ هذه الإصلاحات الموازية التي يحيل إليها هذا القانون-الإطار سيساهم في تعزيز جاذبية المملكة والرفع من نسبة الاستثمار الخاص، الوطني والدولي، في مجموع الاستثمارات المنجزة التي ما تزال متسمة بهيمنة الاستثمار العمومي.
المشاريع الاجتماعية من المبادرة الوطنية إلى النموذج التنموي.. أوراش مستدامة
17 سنة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كرست التوجه الاجتماعي الراسخ
مؤسسة محمد الخامس للتضامن.. نحو مأسسة المبادرات الاجتماعية
إعداد: النعمان اليعلاوي
منذ اعتلاء العرش، أسس الملك محمد السادس لهندسة تنموية متجدد شاملة الرؤى ومتكاملة الأبعاد للأوراش الاجتماعية، تميزت بشموليتها وتركيزها عموديا وأفقيا على الميدان والانصهار في الواقع المعاش، مبنية على استراتيجية القرب من المواطن أينما كان، حيث إن الأوراش والمبادرات التي أحدثها الملك بفكر مستدام، تعتبر أوراشا مفتوحة باستمرار، وهذا الانفتاح يجعلها قادرة على التغيير الاجتماعي الذي يؤكد ويجسد الالتزام الدائم بتحقيق أعلى مستويات مقومات الدولة الاجتماعية التضامنية.
الورش التنموي الجديد الذي أسسه الملك بفكر استباقي واستشرافي لمغرب الغد، شكل مساحة تطلع مشترك للشباب بغية تعزيز الاندماج الاجتماعي، وتنمية القدرات والمهارات الذاتية، عبر الرفع من فرص المشاركة المندمجة خدمة لسيرورة التنمية في مختلف تجلياتها.
المشاريع الاجتماعية الملكية.. توجه راسخ
قال عتيق السعيد، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، إن «المغرب ومنذ تولي الملك محمد السادس العرش، أمام توجه اجتماعي ميداني فريد ومتميز بجميع المقاييس وعلى عدة مستويات، حيث إنه ومنذ ذلك الحين، بفضل الرؤية المتبصرة الآنية والاستشرافية لجلالة الملك، تم إطلاق سلسلة مترابطة ومتكاملة من الأوراش التنموية المتعددة في مختلف المجالات، تعتبر هندسة شاملة الرؤى ومتكاملة الأبعاد للأوراش الاجتماعية التي تميزت بشموليتها وتركيزها، سواء عموديا أو أفقيا، على الميدان والانصهار في الواقع المعاش». وأوضح أن «هذه الأوراش الملكية مبنية على استراتيجية القرب، بحيث تستهدف جميع شرائح النسيج المجتمعي، سيما الفئات الفقيرة أو الهشة بالمجتمع المغربي»، كما أن هذه الأوراش «تتميز كذلك بطابعها التنموي المستدام، فهي تواكب عن كثب الأجيال، ما يحتاجه حاضرا وما سيخدمه ويعينه على تحديات المستقبل، وذلك بغية التأقلم مع مختلف التحولات والمتغيرات المجتمعية، سواء وطنيا أو إقليميا».
وأكد المتحدث أن «الأوراش والمبادرات التي قدم هندستها جلالة الملك بفكر مستدام تعتبر أوراشا مفتوحة باستمرار، هذا الانفتاح يجعلها قادرة على التغيير الاجتماعي، الذي يؤكد ويجسد الالتزام الدائم بتحقيق أعلى مستويات مقومات الدولة الاجتماعية المتينة، بهدف إدراج إنعاش الاستثمار البشري والمبادرة الخاصة، في مختلف السياسات القطاعية».
وأكد السعيد أن «الأوراش والمبادرات الملكية في بعدها الاجتماعي/ التنموي انتقلت في إطارها التدبيري إلى (المأسسة)، بمعنى مأسسة العمل الاجتماعي، التزاما بخدمة الفئات الأكثر فقرا، في إطار رؤية مؤسساتية مندمجة حاملة للتغيير والتطور التنموي، وهو ما يتجسد في حرص جلالته على إحداث مجموعة من المؤسسات الاجتماعية الوفية لقيمها الإنسانية، وفي مقدمتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي بعد إحداثها وإطلاقها رسميا من طرف جلالة الملك محمد السادس عقب الخطاب الملكي في 18 ماي 2005، هي الآن مؤسسات ذات مراكز إدارية منتشرة محليا في مختلف المدن والقرى وإقليميا وجهويا، تتوسع باستمرار كما تستقبل المواطنين في مكاتبها. وأيضا مؤسسة محمد الخامس للتضامن بمؤسساتها كذلك الموزعة في التراب الوطني، ومجموعة من المؤسسات التنموية التي تم إحداثها بمبادرات ملكية».
المبادرة الوطنية.. فك العزلة والاندماج التنموي
الحديث عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية يحيلنا اليوم ونحن نحتفي بعيد العرش المجيد، أن نحتفي بـ17 سنة لإحداث هاته المبادرة الملكية التي هي امتداد 24 سنة من الابتكار والإبداع الهندسي لفكر جلالة الملك محمد السادس التنموي، بحيث تجسد كل هاته السنوات، 24 سنة من بناء الإنسان، ومن النماء المستدام وخلق الفرص، والتجديد والتحديث التنموي بالمغرب.
وقال السعيد إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية «ورش تنموي فريد ومميز، لكونه لم يكن مجرد مشروع مرحلي، ولا برنامجا ظرفيا عابرا، وإنما هو ورش مفتوح باستمرار، قد نجح في المساهمة على امتداد تأسيسها في تفكيك منابع الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي، كما عمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للفئات الفقيرة، وجعل المواطن المغربي أساس الرهان التنموي، وذلك عبر تبني منهج تنظيمي خاص قوامه الاندماج والمشاركة والابتكار، معتمدا في تدبيره على مبادئ الحكامة الجيدة بإشراك كل الفاعلين في التنمية وفي اتخاذ القرار». مبرزا أن «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، هي ورش ملكي طموح وخلاق شأنه شأن سلسلة من الأوراش الملكية المشهود لها بالنجاعة والفعالية في مجال استهداف تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للفئات الفقيرة، وجعل المواطن المغربي أساس الرهان التنموي، وذلك عبر تبني منهج تنظيمي خاص قوامه الاندماج والمشاركة».
التدرج الاجتماعي.
إن ما يمز الورش الملكي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، هو إطار التدرج من مرحلة إلى أخرى وفي سياقات زمنية مترابطة في ما بينها ومحددة بأهداف دقيقة، أي بمعدل انتقال مرحلي بـ5 سنوات من مرحلة الى أخرى متجددة ومتكاملة مع سابقتها. ويبرهن، حسب المتحدث، أن هذا الورش التنموي استطاع ببراعة وتفان في العمل الجاد والمسؤول من أن يواكب التطور الحاصل في بنية المجتمع، سيما الفئات المستهدفة، وأن يتأقلم ويتأثر ويؤثر في الوقت ذاته مع نمط عيش الفئات المستهدفة، وهي ميزة جد مهمة تبرهن على عبقرية جلالة الملك في جعل الأوراش متجددة تحظى بتقييم الأهداف وتطويرها.
وشدد السعيد على الانتقال في المراحل التنموية للمبادرة الملكية، وتجديد الأهداف يشكل بكل تأكيد «تجسيدا ميدانيا على حرص جلالته الدائم على جعل التأهيل البشري أولى الأولويات، فهو دائم الانشغال بقضايا المواطن، متجاوب مع تطلعاته، حريص على إشراكه في إيجاد الحلول الناجعة، لرفع التحديات الكبرى للوطن، بروح الالتزام والتعبئة، وهي الأسس التي تنبني عليها فلسفة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ذلك عبر آليات التقييم والتقويم للأهداف في كل مرحلة. وبدخولها المرحلة الثالثة، جددت المبادرة بشكل عميق رؤيتها من خلال التركيز بالأساس على تثمين الرأسمال البشري ومؤهلات الأجيال الصاعدة، ضمانا لتحقيق أعلى درجات الاستدامة».
وارتباطا بالسياق ذاته، ومن المنظور المستقبلي المتناسق فإن هذا الورش استطاع بفعالية ونجاعة توسيع دائرة الاستفادة من الإمكانات المتوفرة، وإتاحة أكبر قدر من فرص الاختيار أمام كل المغاربة، رجالا ونساء، تقليصا لآفة الفقر وغلق منابع الهشاشة. وسيرا على هذا النهج، تندرج هاته المبادرة الإنسانية في المقام الأول، ضمن رؤية شمولية واستشرافية لجلالته تشكل قوام المشروع المجتمعي الرائد بالوطن العربي، المرتكز على مبادئ الديمقراطية السياسية، والفعالية الاقتصادية، والتماسك الاجتماعي، والعمل والاجتهاد، وتمكين كل مواطن من الاستثمار الأمثل لمؤهلاته وقدراته.
إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية استطاعت على امتداد 17 سنة تقديم الحلول الفعالة والمستدامة والتي شكلت أرضية أساسية لرسم السياسات العمومية المندمجة، ضمن عملية متماسكة، ومشروع شامل، وتعبئة قوية متعددة الجبهات، تتكامل فيها الأبعاد السياسية والاجتماعية، والاقتصادية والتربوية والثقافية والبيئية، كما خلقت دينامية تنموية واسعة النطاق، اعتبرت هاته المبادرة التنموية التي قادها جلالته للنهوض بالعنصر البشري، آلية تنموية بشكل مستدام فريدة بخصوصيتها المغربية تعكس الواقع وتتفاعل آنيا باعتماد معايير موضوعية، قائمة على مدى الاستعجال والحاجة الملحة، لتحديد المستهدفين بالأسبقية، كما مكنت بشكل فعال وواقعي من وضع هندسة متفردة وشاملة الجوانب للبرامج الاجتماعية التي تمس في العمق الشباب.
مؤسسة محمد الخامس.. تضامن مجتمعي
لا بد من الإشارة إلى أنه وتنفيذا للتعليمات الملكية السامية، أطلقت مؤسسة محمد الخامس للتضامن أخيرا العمل بأحد عشر مركزا جديدا في مدن مختلفة، من أجل وضع المراكز التي أنشأتها المؤسسة في مجالات التكفل الطبي والاجتماعي والتكوين رهن إشارة السكان المعوزين المستفيدين، هذه التوجيهات السامية تأتي في سياق تعزيز العرض الصحي العمومي، وتقليص التأثير السوسيو- اقتصادي للجائحة على الساكنة في وضعية هشاشة. هذا الانطلاق الفوري يهم أحد عشر مركزا جديدا، وتندرج في إطار برامج توسيع ولوج السكان المعوزين إلى خدمات صحية للقرب، والتكفل بالاحتياجات الخاصة، وولوج الشباب إلى التأهيل المهني، وكذا مواكبة تعزيز قدرات المرأة، بالإضافة إلى مشاريع كبرى وبنيات طبية- اجتماعية تندرج في إطار برنامجين مهمين للمؤسسة في مجالي الصحة والإعاقة
ارتباطا بهذه الدينامية التضامنية، يمكن القول إن العمل بـ11 مركزا جديدا في مدن مختلفة بالمملكة يجسد حرص جلالته المستمر على ترسيخ قيم مبادئ التضامن المجتمعي في مختلف الأزمات والظروف العصيبة، سواء تعلقت بالجوائح والأزمات التي تواجه المجتمع على غرار باقي دول العالم، وهي مبادرات تأتي في إطار دعم المؤسسة المتواصل للمواطن، كونها تمتاز بسرعة التفاعل التضامني آنيا، والتجاوب مع الحالات والوقائع المستعجلة ميدانيا. ثانيا التركيز بشكل استباقي على أهمية ولوج الشباب إلى التأهيل المهني، وكذا مواكبة تعزيز قدرات المرأة، كما تساهم بفعالية باعتبارها خدومة عن قرب في التفاعل والإجابة الفورية لاحتياجات المناطق من جهة، ومن جهة ثانية تحفز كل الإمكانات والظروف لخلق نماذج تكون مصدرا للتغيير وتشجع على خلق قيمة مضافة للفرد والمجتمع ككل.
هذا، ويعكس العمل بـ11 مركزا جديدا في العديد من المدن نهج مرجعية للتضامن المفضي إلى التنمية المجالية والحد من الفوارق الاجتماعية، كما يساهم في إحداث توجه تنظيمي يكرس التفاعل والتكامل في الوقت ذاته بين مقومات الدولة الاجتماعية، ومجتمع حيوي متماسك، يشكل حصنا قويا رادعا من الآثار الآنية للأزمات وتداعياتها المستقبلية. وبالتالي 11 مركزا للمؤسسة ستدفع هاته المراكز إلى إطلاق دينامية أكثر قربا من التضامن والتكافل والتأهيل البشري، تمكن من إدماج جميع الفئات التي تواجه الهشاشة، مع عملية التعبئة بإمكانات تغتنم كافة الفرص المتاحة التي ترتكز في المقام الأول على تنمية العنصر البشري وتحقيق الازدهار المجتمعي.
ريادة اجتماعية
شدد السعيد على أن «بلادنا بقيادة جلالة الملك تميزت ميدانيا بدورها الطلائعي في بناء جسر متين من روابط التضامن المجتمعي بين جميع فئات المجتمع المغربي، مؤسسة لقيم ومبادئ التكافل الإنساني، هذا التوجه التضامني بوء مؤسسة محمد الخامس للتضامن مكانة خاصة، سواء لدى المغاربة أو لدى باقي الشعوب الأخرى، كما وضعها في المرتبة التي أصبحت من خلالها تعد تقليدا راسخا في منهج وسياسة المغرب في مجال التضامن الوطني والقاري».
بناء على ما تقدم، يمكن القول إن مؤسسة محمد الخامس للتضامن أحدثت نقلة نوعية كبيرة من خلال طريقة اشتغالها وانصهارها في العمل التضامني الإنساني، وكذا الحرص على تطوير آليات وأنماط اشتغالها، بحيث إن مجموعة من البرامج التضامنية تساير وتتكيف مع متغيرات واحتياجات المجتمع، فبعدما كان عمل المؤسسة الإنساني يندرج في إطار التدخل الظرفي في بعض المجالات، بات اليوم يشمل الآن عمليات سنوية منتظمة واسعة النطاق. أيضا المؤسسة لم تقدم فقط كما هائلا من الخدمات التضامنية فحسب، وإنما ساهمت أيضا بفضل جهود جلالته المتواصلة في جعل مبادئ وقيم التضامن المجتمعي إطارا حاضنا لجميع فئات المجتمع، كثقافة مغربية أصيلة تقي من الأزمات والفترات العصيبة وكمدخل من مداخل الحد من الفقر والهشاشة، هاته المؤسسة عملت منذ تأسيسها على جعل المملكة المغربية في ريادة الدول العربية والقارية التي تنهج التضامن شعارا لها لتحقيق التنمية المستدامة.
والمغرب، بقيادة جلالة الملك، قد تميز اليوم ميدانيا بدوره الطلائعي في بناء روابط التضامن بين الشعوب، والتربع على قائمة الريادة المؤسسة لقيم ومبادئ الدبلوماسية الإنسانية في الوطن العربي والقاري، فجلالة الملك يقود «بحنكة وتبصر كبيرين»، وعلى مدى سنوات طويلة، مسارا حافلا بالجود والسخاء يكرس النهج الثابت لروح التضامن المغربية، المتأصلة جذورها في التاريخ.
النموذج التنموي.. خطوة نحو المستقبل
يعتبر النموذج التنموي بما ورد في تصورات اللجنة بمثابة ميثاق وطني جديد، جوهر تصوره الحاجة إلى تجديد شامل للنخب وتغيير جذري في التدبير الاقتصادي والاجتماعي، من أجل البناء والإصلاح المستدام كأولوية تفرضها الحاجة إلى تحديد الأولويات وتحصين المكتسبات. وبالتالي ما يميز رؤية النموذج التنموي الجديد، هي عملية تشخيص دقيق وموضوعي للوضع الحالي، بكل صراحة وجرأة وموضوعية، استطاعت رصد الاختلالات التي يجب تصحيحها وتحديد معالم القوة من أجل تعزيز المكتسبات.
ويعتبر السعيد أن «تجديد النموذج التنموي الذي قدم هندسته جلالة الملك برؤية استباقية واستشرافية، ترمي بالأساس إلى تعزيز قدرة الشباب على تطوير المجال التنموي في مختلف آليات الابتكار والتجديد المتكامل لمختلف الأبعاد التنموية والأهداف المستدامة، حافزا وصانعا لديمومة التغيير والإصلاح المبني على إعادة نظام اجتماعي متجدد مساير لتطلعات مغرب الغد، يجعل من ورش النموذج التنموي الجديد المرتكز في جوهره على مؤهلات المملكة وعلى منهجية الإنصات للشباب مع مختلف القوى الحية ببلادنا. ويشكل مرحلة جديدة لتمكين هاته الفئة وجعلها تساير وتواكب من جهة، التحولات الاقتصادية والمتغيرات الاجتماعية في تفاعلاتها مع حركية المجتمع، ومن جهة أخرى تضمن التأقلم السريع مع سيرورة تحديث وعصرنة بنيات ومؤسسات الدولة.
ورش مجتمعي واجتماعي متكامل
أكد السعيد أن «جلالة الملك حريص على جعل هذا الورش المجتمعي/ التنموي المتكامل، مساحة لتحرير الطاقات الشبابية الإبداعية بشكل أفقي- محليا وجهويا ووطنيا- وكذا تعزيز القدرات الإنتاجية لمختلف القطاعات، ومنه يصبو التصور التنموي ذو المصداقية والقابلية للتنفيذ على أرض الواقع في بعده المتجدد، تعبئة كافة مكونات المجتمع وفي مقدمتها الشباب، بروح المواطنة وحس التضامن والسعي نحو تحديد الأولويات ومجابهة التحديات، لصيانة وتأمين الازدهار والرفاه المستدام لكافة مكونات المجتمع».
لقد شكل النموذج التنموي عقدا اجتماعيا جديدا، ما يميز هذا الورش الملكي في جوهره التنموي على غرار باقي المشاريع والأوراش التنموية التي شهدتها المملكة بفضل جهود جلالته، هو اعتماده مقاربة تشاركية متعددة الأبعاد، استطاع القيام بتشخيص وتقييم صريح وشفاف للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما أخذ تدارس التحديات والتغييرات الجديدة التي نتجت عن الجائحة في العديد من المجالات الاستراتيجية، وبالتالي نحن أمام نموذج تنموي يعد مرآة عاكسة للمجتمع المغربي، سواء تعلق الأمر باحتياجاته الآنية أو ارتبط بتطلعاته المستقبلية. وبالتالي يعد تقرير لجنة النموذج التنموي، بوصلة دقيقة الاتجاه نحو تعاقد سياسي يستدعي تبني طاقات شابة مشهود لها بالكفاءة والوطنية العالية، قادرة على ضمان تنزيله بشكل يضمن توفر آليات النجاعة والفعالية والسرعة في الأداء، بغية استشعار شرائح ومكونات المجتمع بالتغيير على الواقع المعاش، تحقيقا للإقلاع التنموي المندمج والمستدام.
إن عملية الانتقال من التشخيص والإنصات إلى آليات التفعيل مسايرة لطموح المواطن، مكنت النموذج التنموي من أن يعد مدخلا للمرحلة الجديدة ما بعد كورونا، قوامها المسؤولية والإقلاع الشامل في خطوة إلى الأمام للقضاء على مسببات الفوارق الاجتماعية والمجالية، التي تعمل على إبطاء النمو وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية، ومن ثم التركيز على إعادة توجيه الإنفاق العام لصالح الفئات الشابة، بغية تعزيز الإدماج الاجتماعي لها ولتحقيق النمو الشامل، إذ لا سبيل إلى رفع التحديات إلا بتحقيق تنمية بشرية عادلة ومنصفة، كفيلة بالتصدي للإكراهات.





