حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرثقافة وفنفسحة الصيف

فريتز هابر.. أسوأ مخترع في تاريخ البشرية

 

 

أدرك الكثير من العلماء في مطلع القرن العشرين أن البشرية مقبلة على أزمة كبيرة، تتمثل في أن الإنتاج الزراعي يبقى محدودا مقارنة بالعدد المتزايد من البشر، وأن من المحتم البحث عن وسيلة للزيادة في المحاصيل الزراعية. لذلك، كان للخطاب الشهير للعالم الكيميائي الإنجليزي وليام كروكس إلى الجمعية الإنجليزية صدى كبيرا في المحافل العلمية عبر العالم، حيث حذر فيه أوروبا وكل بقاع العالم من خطر الجوع، لأن ما ينتجه الإنسان من غذاء لا يتوازى مع تزايد السكان، سيما وأن اعتماد الإنسان في تخصيب التربة ما زال قائما على أنواع معينة من الأسمدة الطبيعية غير قادرة على رفع مستوى الإنتاج الزراعي. لذلك دعا ويليام كروكس إلى ضرورة إيجاد طريقة لتثبيت النيتروجين في التربة بطريقة ما للحصول على تخصيب صناعي لها، كفيل بمضاعفة الإنتاج، وتجنب كارثة الجوع التي ستؤدي لا محالة إلى انقراض العنصر البشري. انطلاقا من هذا الخطاب انصب اهتمام علماء الكيمياء في أوروبا، وخاصة ألمانيا المهددة أكثر، على حل معضلة تثبيت النتروجين الجوي في التربة والحصول أخيرا على سماد صناعي.

 

هابر واختراع السماد الكيميائي

كان العالم الكيميائي الألماني فريتز هابر Fritz Haber (1934-1868) هو من قُيض له أن يحل هذه العقدة وأن يخترع الأمونيا أو السماد الكيميائي، الذي ضمن لألمانيا رغيفها اليومي وأطعم العالم. ولد فريتز هابر في بريسلاو، التابعة لبروسيا، ثم ألمانيا الموحدة والآن في بولونيا، في أسرة يهودية، كان أبوه يعمل في تجارة الأصباغ والدهانات، وأم توفيت بعد ثلاثة أسابيع من ولادة فريتز. لذلك كانت علاقته بأبيه متوترة، فقد كان لديه إحساس قوي بأن والده يحمله وزر وفاة أمه، مما طبع شخصيته في المستقبل بالكثير من التناقض. رغم ذلك كان فريتز الصغير مرحا ومتحدثا نشيطا ومؤثرا في الآخرين، لكنه في وقتها لم يكن يظهر عبقرية استثنائية، لهذا السبب لم يكن والده متحمسا لإرساله إلى الجامعة، وكان لديه يقين راسخ بأن بلدا مثل ألمانيا لن يتغير ولن يسمح ليهودي أن يترقى في مساره الأكاديمي وسيلاقي الكثير من الاحتقار من الآخرين والإقصاء المتعمد والمهين من قبل أساتذته وزملائه، وأن من الأفضل له ولكل يهودي في ألمانيا أن يعمل في التجارة، فهي أسلم له. شغف فريتز هابر بالكيمياء دفعه إلى دراستها على يد كبار الكيميائيين الألمان، حيث أبان عن مقدرة كبيرة في حل ألغاز معقدة في الكيمياء، من بينها معضلة وليام كروكس.

تمكن هابر من مزج النيتروجين والهيدروجين في ظل حرارة عالية جدا، واستخدام محفزات صناعية من صنع الأمونياك عام 1913 وإنتاج السماد الصناعي الذي أسهم في زيادة المحاصيل الغذائية في العالم، وسجّل براءة اختراعه باسمه وشرعت المعامل الألمانية في صناعته وتسويقه، واعتبر بذلك أكبر انجاز لإنقاذ البشرية من الجوع. في 1918 منحته الأكاديمية السويدية جائزة نوبل للكيمياء، وقد خيمت على أجواء هذا الاحتفال مشاعر الامتعاض من الجائزة وصاحبها، بسبب الوجه الآخر لفريتز هابر.

 

فريتز هابر.. من منقذ للبشرية إلى مجرم حرب

كان فريتز هابر أحد كبار المتحمسين للقضية الألمانية، حيث تخلى عن ديانته اليهودية وتحول إلى المسيحية، وكان من بين الأكاديميين والعلماء الألمان الذين وقعوا ما سمّي «بيان الثلاثة والتسعين»، الذين دعوا إلى نصرة ألمانيا في حربها وأدانوا أعداءها. خلال الحرب العالمية الأولى عمل فريتز هابر على ابتكار سلاح فتاك ورهيب، هو السلاح الكيميائي، بدافع من وطنيته وولائه لألمانيا أو كما كان يزعم في أيامه الأخيرة بأنه كان يريد تقصير أمد الحرب، واعتبر مساهمته بهذا الجهد نوعا من أنواع البطولة. الحقيقة هي أن هابر مبتكر غاز الكلور وأب الحرب الكيميائية، بل أشرف بنفسه على إطلاق الغاز السام على الجنود، وذلك يوم 22 أبريل 1915، الذي يعتبر أول هجوم في التاريخ العسكري استخدمت فيه الغازات والسلاح الكيميائي، كما قام بعدها بالتحضير والإشراف على هجمات أخرى في جبهات الحرب. قبل هذا التاريخ المشؤوم، كان هابر قد التحق بالجيش الألماني برتبة نقيب، وعين رئيسا لقسم الكيمياء في وزارة الحرب ومسؤولا عن إنتاج واستخدام الأسلحة الكيميائية في الحرب، وأدار هذه العمليات في الخطوط الأمامية لجبهات الحرب. ففي الاستخدام الأول في التاريخ للسلاح الكيميائي، ذهب هابر إلى الجبهة مرتديا زيه العسكري، مشرفا على إطلاق أول هجمات بغاز الكلور التي أودت بحياة آلاف الجنود في مدة قصيرة. لم يكن معظم قادة الجيش متحمسين لهذا السلاح الجديد، بعضهم كان مترددا وآخرون ممتعضين، فهذا الجنرال القائد للفيلق المكلف بإطلاق أول الهجمات بغاز الكلور يكتب: «كُشف لنا أن سلاحا جديدا (غازا ساما) سيستخدم، وأن منطقة الفيلق الذي أقوده قد تم اختيارها في أول محاولة لهذا السلاح، وأنه سيتم تسليم الغاز السام في أسطوانات فولاذية، ووضعها في الخنادق وفتحها عندما تكون الرياح مواتية. يجب أن أعترف بأن خطة تسميم العدو، تماما كما لو أنه تسميم فئران، قد صدمتني بشكل مباشر، كان الأمر مثيرا للاشمئزاز بالنسبة إلي».

بسبب هذه السمعة السيئة لم يفقد فريتز هابر احترام الأوساط العلمية فقط، فزوجته كلارا، عالمة الكيمياء، انتحرت عقب فعلته الشنيعة، وهجره كذلك ابنه هرمان، وعاش بقية حياته منفيا لائذا بالصمت وذيول الخيبة، اضطر بعد هزيمة ألمانيا وبداية صعود النازيين الذين هاجموه، بسبب أصله اليهودي، إلى أن يهرب إلى إنجلترا، لكن الأوساط العلمية تحاشته ولم يعد يجد مكانا يحتمي به حتى وفاته في أحد الفنادق بسويسرا سنة 1934. سيسجل التاريخ للعالم الكيميائي فريتز هابر بشكل متناقض أنه مبتكر السماد الصناعي، وفي الآن نفسه أب الحرب الكيميائية.

 

نافذة:  

خلال الحرب العالمية الأولى عمل فريتز هابر على ابتكار سلاح فتاك ورهيب هو السلاح الكيميائي بدافع من وطنيته وولائه لألمانيا أو كما كان يزعم في أيامه الأخيرة بأنه كان يريد تقصير أمد الحرب

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى