الرأي

في الحاجة إلى قناطر مُعلقة

يونس جنوحي

دقائق من الزخات الرعدية كانت كافية لتغرق طرق أكبر إقليم في المغرب ويعلق المسافرون بين نقطتي أكادير وورزازات منذ السابعة من مساء الأحد، ولم يتدخل أحد لفك العزلة عنهم إلى حدود الرابعة من فجر اليوم الموالي.
اكتفت وزارة التجهيز بإخبارية نقلها مهندسو قطاع الطرق لكي يخبروا المسافرين أن الطريق مقطوعة. وكفى الله الوزارة شر القتال.
النشرة الإنذارية التي أطلقتها مديرية الأرصاد الجوية، حذرت من قوة الأمطار المرتقبة خصوصا وأن المنطقة عرفت خلال الأسبوع الماضي تسجيل درجات حرارة في الظل تفوق الأربعين بكثير. حتى أن مدينة تارودانت الأسبوع الماضي سجلت، حسب تصنيف دولي، الأسخن في العالم، منتزعة الصدارة من الكويت والسعودية ومدينة أفغانية.
الذين كانوا يطمئنون الناس ويقولون إن فيروس «كورونا» سيزول مع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، لا بد وأنهم اليوم سيضحكون على أنفسهم بسبب التفاؤل المفرط والإشاعات التي تُنسب لمنظمة الصحة العالمية. إذ إن كورونا لو كانت طعاما لنضجت بالكامل تحت تلك الحرارة المرتفعة، ولا تزال جهة سوس إلى حدود اليوم تسجل حالات إصابة جديدة بالفيروس بعد شهور من بقائها بعيدة تماما عن العدوى.
عندما يغيب التواصل تنتشر الإشاعة. وهذا ما وقع بالضبط في تلك الأمسية الماطرة. اعتقد الناس أن طرقا أخرى مقطوعة ولم يخرج أحد للتواصل معهم رغم أن ساعات الاحتجاز امتدت من السابعة مساء إلى أولى ساعات الصباح، بل سرت إشاعات خطيرة، عن انقطاع طرق جبلية، تسببت في انتشار الذعر وسط الأهالي لأن أحباءهم كانوا في تلك اللحظات مسافرين يقطعون تلك المنعرجات. ولم يتبين أنهم بخير إلا بعدما توقفت الأمطار الطوفانية التي تسببت في مشاكل على مستوى القناطر.
وعندما تسمعون القناطر، لا تذهبوا بخيالكم بعيدا. لا يتعلق الأمر هنا بالقناطر المعلقة أو التي يربط فيها العشاق أقفالا بالحروف الأولى لأسمائهم. بل بامتدادات إسمنتية تصل نقطتين من الأرض، تكاد تلامس المياه، ويكون مصيرها في كل موسم أمطار، أنها تنجرف مع الوديان في اتجاه البحر الأبيض المتوسط.
شاب المواطنون في الجنوب وهم ينددون بهشاشة البنية التحتية التي تجرفها الأمطار الرعدية في كل سنة. ولا أحد وضع حلا لمعاناة ملايين المواطنين. توجد خلف تلك القنطار منشآت فلاحية وصناعية تعود على الدولة بملايير الدراهم من وراء تصدير الحوامض وتوفر مخزونا محترما من الحليب الطري ومشتقاته، يتم تصديره في كل الاتجاهات، ورغم ذلك فإن الطريق الوطنية رقم 10 لا تزال تعاني من هشاشة القناطر، ولا تنتهي بها الأشغال إلا لتبدأ من جديد.
صحيح أنه في سنة 2012 تم إطلاق مشاريع مهمة لتهيئة وتوسيع الطريق الوطنية وإلحاق طرق فرعية بها، في محور أكادير وورزازات، لكن معظم النقط التي تلتقي مع وادي سوس والوديان التي تتفرع عنه، تعاني سنويا من الفيضانات التي تجرف الإسمنت المسلح. ورغم ذلك لم نسمع عن أي تحقيق من طرف وزارة التجهيز لكي يتم إنهاء هذا التبذير للأموال العمومية.
منذ الاستقلال إلى اليوم، سنكون أمام رقم قياسي عالمي لإعداد القناطر وتجهيزها للفيضانات لكي تجرفها في اتجاه البحر.
لا نملك في الأخير إلا أن نتعجب من هذه المفارقة. منذ السنة الماضية، سجلت في إقليم تارودانت ندرة مهولة للمياه، واشتكى سكان الجماعات المحلية والدواوير من انقطاع شبه دائم لمياه الشرب من صنابيرهم رغم أنهم يؤدون الفواتير بانتظام. وسجلت أيضا تقارير عن انخفاض خزينة السدود. لكن بمجرد ما أن تجود السماء بالمطر، جريا على عادة الطبيعة، حتى تُفضح الهشاشة. وربما لهذا السبب يكره الكثيرون الماء، ببساطة لأنه يفضح العيوب ويغسل كل شيء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى