الرأي

في ليلة واحدة

متى نفهم أن أحلامنا ليست سوى أحلام بالفعل؟ وأنها لا تخترق حدود الكلمة التي تحمل معناها، أو أنها لا تتجاوز عتبة عالم مركب ومعقد يدعى الخيال؟
لقد تحدث فرويد عن الحلم مُعرفاً؛ إياه بأنه مجال لتمظهر الرغبات المكبوتة في الواقع، والتي تمتد إلى مرحلة الطفولة، إلا أنه يتعذر تحقيقها، ذلك لأن الرقيب الأخلاقي لا يغمض جفنه في نومنا إلا نصف إغماضة، نظرا للوظيفة المنوطة به وهي حراسة نومنا… وهذا ما يجعل الرغبات الظاهرة في الحلم، والتي تراوغ العقل وتخرج عن مقولاته، في تخفٍّ وتنكر مستمرين، لكي تتمكن من خداع الرقيب والإفلات من قبضته…
أما يونغ، فأوضح أننا نحلم باستمرار، لأن الحلم والتخييل ضرورتان نفسيتان لتجاوز نقص الواقع ولتحقيق بعض التوازن النفسي…
– طيب.. طيب.. عظيم… أنا آسفة على المقاطعة، لكنني لا أنوي تماما تعليق حلمي الصغير على شماعة التحليل النفسي.. يبدو أنكَ لمْ تفهمني جيدا.. أنا لستُ بحاجة إلى قراءة سيكولوجية لما يحدث معي.. أعتقد أن ما يهمني الآن هو إيجاد حل لمسألتي، أو على الأقل وضع حد لهذا التصحر الذي يقحل ينابيع الحياة في.. أنا تعبة مرهقة وذهني عاجز عن رص أفكاره وعن الفهم أيضا.. أنا لا أفهم ما تقول…
ـ عزيزتي، لا داعي للانفعال، نحن الآن نحاول فهم الظاهرة لكي نجد لها تفسيرا أولا، ثم نحاول تفكيكها وبالتالي مساءلة الصيغ الملائمة لمعالجتها…
عندما كانت ترغب في بعض من المكاشفة ومصارحة الذات بحرب العقل وما سواه.. كانت تلجأ إلى صديقها الذي يعمل أستاذا لمادة الفلسفة بإحدى الثانويات، والذي كان يحبها بشكل مختلف.. كان يحبها بعقلانية وبتعقل.. يزن الأمور جيدا ويحرص على أخذها كما هي.. كان حكيما على الرغم من عفويته وطيبته المفرطة… يعي تماما أن شعوره يظل ملكه وحده طالما من طرف واحد، ويعتبر ذلك ميزة.. وقوة أيضا.. عكس ما يفهم وما يشعر به الآخرون.. كان قد أومأ لها في ما مضى عما يخالجه من إحساس تجاهها؛ بكثير من التحفظ والحيطة التي كلفته ذكاء ومهارة عاليين، كان يدرك مزاجيتها وحساسيتها المبالغ فيها وجنونها.. كان يعشق كل ذلك رغم ميل ملامحه للشخص المتزن الوقور؛ الذي يحب أن يبدو صارما صعب الاختراق من قبل الآخرين…
بالنسبة إليها، فهو بعيد كل البعد عن ملامح الرجل الذي بإمكانه أن يستفز بعضا من مشاعرها، أو أن يجعل أنفاسها تحتبس للتفكير به أو لسماع صوته… كانت تشعر بارتياح شديد عندما تكون برفقته، لأنها كانت تردد دائما: ”الشخص الذي يفهمني جيدا ولا يستفز مشاعري، يجعلني أشعر معه بتوازن وبارتياح وبرغبة رهيبة في التحدث والبوح…”.. فكانت تطلب لقاءه كلما عجزت عن تحقيق ذلك التوازن، لتحكي له عما بها من ألم… وبمجرد أن تطرد الكائنات التي تشوش على هدوئها، تنقلب على عاقبيها، فتضحك باكية وهي تمسح الرذاذ الأسود بأطراف أصابعها… ثم تنظر إليه بخبث وتقول:
ـ كفاني ”نَسْوَنَة”… أشعر بتحسن الآن.. ألا نبحث عن ذاك الذي يفرحنا معا؟
يبتسم كعادته دون حديث ودون طرح أية أسئلة.. فقط يشغل محرك السيارة ويترك لها تشغيل الموسيقى، لينطلقا إلى وجهة لا يعلمها غيرهما..
(يتبع…)

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى