الرأي

قانون قيصر بسوريا والطريق العراقي

فيصل القاسم

 

كلما تحدث سوري عن سقوط النظام ذات يوم يرد عليه عشرات السوريين بالسخرية والتهكم، ويقولون له: «لو بدها تشتي كانت غيمت»، أي إن السوريين لطالما حلموا بإسقاط النظام منذ بداية الثورة، لكن أحلامهم كانت دائما أضغاث أحلام برأي المستعجلين في التخلص من بشار الأسد وزمرته. لكنه غاب عن بال الساخرين أن ضباع العالم لا يُسقطون الأنظمة بكبسة زر، بل يطبخون مشاريعهم ومخططاتهم على نار هادئة خدمة لمصالحهم بعيدة المدى التي ترضي أطماعهم، ولا علاقة لها مطلقا بتلبية طموحات المساكين من الشعوب كالسوريين وغيرهم.

حتى جماعة الأسد يتحدثون في جلساتهم الخاصة أن السيناريو العراقي انتقل إلى سوريا منذ سنوات، وأن ما حدث للعراق سيحدث لسوريا عاجلا أو آجلا، لكن على مراحل وحسب المخطط المرسوم. تعالوا نتذكر الآن كيف بدأ المخطط في العراق وكيف انتهى. بعد الغزو العراقي للكويت عام 1990، جندت أمريكا عشرات الدول لطرد القوات العراقية من الكويت، وقد تم ذلك بنجاح، فخرج صدام حسين رغما عنه من الكويت بعد سبعة أشهر، وبعد أن تعرض جيشه إلى ضربة قاصمة وهو عائد إلى قواعده في العراق، وانتهى به الأمر إلى توقيع اتفاق الإذعان في خيمة صفوان الشهيرة، وانكفأ صدام إلى بغداد بعد أن فقد السيطرة على الشمال والجنوب بفعل حظر الطيران شمال العراق وجنوبه. لكنه فوجئ بالانتفاضة الشعبانية بعد شهرين فقط على خروجه من الكويت، حيث تمكن العراقيون وقتها من السيطرة على أربع عشرة محافظة عراقية من أصل ثماني عشرة محافظة. وقد ظن المنتفضون العراقيون وقتها أن أمريكا التي طردت قوات صدام حسين من الكويت ستقف إلى جانبهم لإسقاط النظام، لكن الطيران الأمريكي الذي كان يراقب الشمال والجنوب، لم يتدخل مطلقا في الانتفاضة العراقية، لا بل إنه ساعد صدام حسين بطريقة غير مباشرة لسحق الانتفاضة واستعادة كل المحافظات الساقطة بأيدي المنتفضين. لاحظوا هنا أن الأمريكي الذي كان يمكن أن يستغل الانتفاضة لإسقاط نظام صدام لم يتدخل، لا بل وقف ضد الانتفاضة بطريقة ما، لكن ليس دفاعا عن نظام صدام ولا خذلانا للانتفاضة الشعبية، بل خدمة للمخطط الأمريكي الذي سينضج لاحقا بعد حوالي ثلاثة عشر عاما. وقد قال الجنرال الأمريكي، نورمان شوارتسكوف، الذي قاد معركة تحرير الكويت عام 1991 إن واشنطن كانت قادرة بسهولة على إسقاط نظام صدام وقتها، لكنها لم تفعل خدمة لمصالحها القادمة. وبدلا من ذلك أحكمت أمريكا الحصار على العراق، وفرضت قيودا صارمة حتى على أبسط الحاجيات اليومية، التي كان يحتاجها الشعب العراقي كأقلام الرصاص. وكلنا يذكر اتفاق النفط مقابل الغذاء، بحيث لم يسمح للعراق أن يبيع نفطه إلا من أجل الحصول على الغذاء فقط.

وعاش العراق بعد غزو الكويت، حوالي ثلاثة عشر عاماً من العذاب والتنكيل المنظم على أيدي الأمريكيين وحلفائهم. وظل صدام حسين حاكما كل ذلك الوقت، بينما كان الشعب العراقي يموت من الجوع والفقر والفاقة. وقد كان بإمكان أمريكا أن تسقطه في أي لحظة لو أرادت، بعد أن فقد السيطرة على مناطق كثيرة، وصار محصورا في بغداد. لكن ساعة الصفر لم تحن إلا عام 2003، عندما غزت أمريكا العراق وأسقطت النظام، ثم لاحقت صدام نفسه وألقت القبض عليه، ثم حاكمته وأعدمته بواسطة عملائها العراقيين التابعين لحليفها الإيراني.

تعالوا الآن إلى الوضع السوري لنر كيف يتشابه مع المخطط العراقي. ألم يكن بإمكان أمريكا وإسرائيل إسقاط النظام السوري على مدى التسع سنوات الماضية، بعدما فقد السيطرة في أوقات معينة على ثمانين بالمائة من الأراضي السورية، وبعدما وصل الثوار إلى مشارف القصر الجمهوري؟ بالطبع نعم. لكن أمريكا لم تفعل، بل ساعدت في إعادة مناطق كثيرة للنظام، تماما كما فعلت مع صدام حسين، المفترض أنه عدوها عندما غضت الطرف عن استعادته لأربع عشرة محافظة عراقية من المنتفضين العراقيين في بداية عام 1991. وكلنا يعرف أن الروسي والإيراني لم يكونا ليتدخلا لمساعدة الأسد، لولا الضوء الأخضر الأمريكي والإسرائيلي. لكن هل هذا يعني أن أمريكا تقف مع النظام السوري؟ بالطبع لا، بل هي تنفذ مخططا سينتهي بسوريا والنظام على الطريق العراقية.

ما أشبه «قانون قيصر» الأمريكي بخصوص سوريا بالقوانين الأمريكية، التي سنتها واشنطن لخنق العراق وحصاره وتجويع شعبه والتنكيل به، ثم الانقضاض عليه عندما أصبح يتمنى الموت ولا يجده. ولا تنسوا الكتاب الأمريكي الشهير بعنوان «التنكيل بالعراق»، للكاتب جيف سيمونز. ولا ندري إذا كان هذا الكاتب أو غيره سيؤلف لاحقا كتابا مشابها بعنوان «التنكيل بسوريا»، بعد أن يكون قانون قيصر قد أخذ مجراه وفعل أفاعيله بسوريا والسوريين.

أمريكا وبقية ضباع العالم لا تعمل من أجل طموحاتي وطموحاتكم وأحلامكم، بل تعمل من أجل مصالحها ومخططاتها، وهي تنفذها في الوقت الذي يناسبها وليس في الوقت الذي يرضيكم. نتمنى أن لا يُلحق قانون قيصر الذي سيبدأ تنفيذه قريبا الأذى بالشعب السوري، كما فعلت القوانين الأمريكية السابقة بالشعب العراقي، مع أن التاريخ سيعيد نفسه في سوريا الأسد، وسيبقى بشار وعصابته جاثمين على صدور الشعب السوري بضوء أخضر أمريكي وإسرائيلي، وسيبقى بشار وجماعته يأكلون الكافيار ويشربون الويسكي ويتصارعون على المليارات المنهوبة، بينما الشعب السوري لا يجد ثمن رأس بصل، تماما كما كان صدام يدخن السيجار الكوبي الفاخر أيام الحصار الأمريكي، بينما كان كثيرون من العراقيين البائسين يفتشون عن لقمة الخبز في المزابل.

 

+++++

 

نافذة:

ألم يكن بإمكان أمريكا وإسرائيل إسقاط النظام السوري على مدى التسع سنوات الماضية، بعدما فقد السيطرة في أوقات معينة على ثمانين بالمائة من الأراضي السورية، وبعدما وصل الثوار إلى مشارف القصر الجمهوري

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى