الرأي

قد كبرت يا أمي..

صوت الأرض هو صوت أمي حين تفتح عينيها الجميلتين.. ثم بعذوبة كل أنهار الدنيا تقول: «لا إله إلا الله أصبحنا وأصبح الملك لله».
أمي الشمس التي ترجو الكواكب أن تتلفّع بشال أسود لتشبهها..
أمي دهشة المطر وحميمية القهوة.. وساقية ممتدة صوب قلبي.. أمي النهار الأبيض.. خانة الفرح المعتق من العود والورد.. أمي لحن مدوزن وأغنية وقصيدة..
أمي الدنيا.. أمي التي تكومني كلما اتسعت إخفاقاتي.. ترتب أمنياتي السارحة.. وتنفض عني الوجع..
يتلون الجميع وتبقى أمي ناصعة بلون واحد.. يتساقطون من عيني وتبقى هي..
«لقد هدأت العواصف يا أمي وأنا بخير»
كل تلك السنوات بجوارك لم تعلمني كيف أجعل الفجر أكثر بياضًا.. كنتِ تنسجين الحنان بقلبك البهي.. فتنشأ في الجوار ساقية تهذب أيامي..
دلّيني على وهجك الجليل يا أمي.. كيف أقبس منه الضوء لأعبر كل الأرصفة الحمقاء..؟!
كيف أرتوي من فيء شراعك الذي تتفرع منه الحياة..؟!
هل يمكن أن تطبعي قبلتك «الجنة» على جبهتي يا أمي..؟!
امنحيني بواسطتها طهر الندى إذ يستيقظ.. باركي أناملي.. ابتسمي وأنا أتعثر بأحلامي يا أمي.. جدليها لي ضفائر مغرورة..!
امنحيني صلابتك لأجهل عدد هزائمي.. لأصنع من كل الخيبات مسبحة أتقرب بها للفرح..
أنا التي لا أجيد النواح ولا أعرف كيف أردم الهوّات في روحي..!
أنا وقلبي وأحلامي أطفالك الصغار.. أحبابك الذين يتعلقون بك عند الباب حين تغادرين..
نحن من يتحلق حولك حين تغفو المدينة ويبقى وهجك أنت.. نحن من يبتهج حين تصنعين ابتسامة هادئة.. نحن الذين تغادرهم الأوجاع حين تضحكين من قلبك..!
وأنت؟
أنت المدن التي يحفظ التاريخ روحها.. معتق النبض زاهي الألق.. كبيرٌ.. لك الروح والقلب وما بين نبضة وأختها.. أنت المنافي والوطن واختصارات العشق ومغامرات المدهشين..
قد كبرت يا أمي.. نضجت الطفلة في داخلي.. عبرني الخريف والشتاء كعبور سني يوسف.. وها أنا أستقبل الربيع بطلتك.. أرسم لوحاته من روحك البهية وأدسّ كل بعثرة مزقت روحي..
أمي.. دلّي قلبي على البساطة التي كبّرتها في روحك.. كيف يمكن لي يا أمي أن أشرب المرارات ولا أغمض عيني.. علميني استقبال الربيع بهيبة الكبار فقد كبرت..
سألوذ بك.. وأندس في نبضاتك الأنيقة.. وأغمض عيني عن كل الجحيم في هذا العالم.. فقلبك له رحابة الطبيعة.. له مغفرة مدينتنا كلما عدنا إليها بعد غياب.. أصغي إليك بشجن.. فصوتك موسيقاي.. وضحكتك حلواي.. التي اشتهي أن أتذوق مخارج حروفك ووهن اللهجة وتمددها أحيانًا.. فأكتشف أنك لحني ونصي الذي لا يفسره سواي..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى