شوف تشوف

الرأي

نبع السلام والتباس الموقف الأمريكي

خالد فتحي
وأخيرا نفذت تركيا وعيدها بشأن المنطقة الآمنة بسوريا. وقامت بغزو شمال شرق الفرات متذرعة بحماية أمنها الاستراتيجي، ووأد أي مشروع كردي انفصالي ولو كان سيجري على أرض الجيران.
استباحة الأرض السورية الآن تذكر بما جرى لأكراد العراق، الذين تخلى عنهم العالم كله بما في ذلك حليفتهم التي من شيمتها الغدر… أمريكا التي كانت قد حمتهم حين هموا بإجراء استفتاء تقرير المصير بإقليم كردستان.
ها هو التاريخ يعيد نفسه بإخراج آخر. وها هم الأكراد يلدغون من نفس الجحر مرتين. لم تكن تركيا لتتجرأ على التوغل في سوريا دون ضوء أخضر من ترامب الذي سحب قواته من المنطقة، كأنه يقول لأردوغان: دونك الأكراد فخذهم.
صحيح أن الدولة الأمريكية العميقة التي يمثلها البنتاغون والكونغرس وسي آي إي انتفضت ضد هذا التنسيق الضمني الذي تم بليل بين الرئيسين التركي والأمريكي، حيث هدد جمهوريون غاضبون من (سذاجة) ترامب أو من تهوره واستهتاره بالمصالح الأمريكية أردوغان بأنه سيؤدي الثمن غاليا عن هذا التحدي الذي أبان عنه المنظومة الدولية، ولكن كل هذا الامتعاض الأمريكي من المغامرة التركية لا ينفي أنه كانت هناك ترتيبات واتفاقات مسبقة بين أنقرة وواشنطن، بخصوص وحدات سوريا الديمقراطية.
هذا التضارب الظاهري في المواقف من المسألة بين مراكز القرار الأمريكية يطرح أكثر من تساؤل حول الغايات البعيدة من السماح الأمريكي لتركيا بإقامة المنطقة الآمنة. فترامب نفسه عاد في شبه استدراك ليحذر تركيا من عدم التصرف بعقلانية. وقال إنه لا يريدهم أن يقتلوا الكثير من الناس ولا أن يسمحوا بفرار مقاتلي داعش. متوعدا أنه إذا ما فعلت تركيا أشياء غير مقبولة، فستطبق عليها عقوبات أمريكية قادرة على شل اقتصادها. كما أن وزير الدفاع الأمريكي صرح أنه طلب من نظيره إيقاف هذه العملية الأحادية الجانب، مؤكدا عدم تخلي واشنطن عن حلفائها الأكراد وبقاءها معهم في مناطق سوريا أخرى.
وهنا يطرح السؤال الشيطاني: هل غرر ترامب بأردوغان؟ وهل زين له ركوب هذه المخاطرة، حين ألقى به في المستنقع السوري، مثلما قد غررت السفيرة الأمريكية ببغداد قبله بصدام حسين حين أشارت عليه بغزو الكويت واحتلالها.
الإدارة الأمريكية تعرف حساسية تركيا تجاه القضية الكردية، وتحس التوق الجارف الذي يستبد بتركيا الأردوغانية إلى بعث تركيا العثمانية ذات الأمجاد التليدة، ولذلك هي تغذي فيها هذا الحلم وتتسامح معها لتوريطها في العالم العربي. هذا العالم العربي الذي يتذكر بكثير من الحسرة أن الخلافة العثمانية كانت السبب في فصله عن حركة التاريخ وإغلاق باب الاجتهاد عليه ودفنه في الاستبداد والديكتاتورية.
المؤكد أن أمريكا لم تنس لأردوغان صفقة صواريخ «إس 400» مع غريمتها روسيا. ولا تنظر بعين الرضا لتهديده للاتحاد الأوربي بورقة اللاجئين السوريين.
فهل كان أمام تركيا خيار آخر غير التدخل، أم أنها كانت كما يقول أردوغان مجبرة على ذلك؟ إن تحليل الوضع يكشف أنه كانت هناك حلول أخرى. أبرزها أن تمد تركيا يدها لنظام بشار الأسد وتكتسح شمال الفرات، انطلاقا من الأراضي التي تحكم السلطة السورية قبضتها عليها، ولو بالتنسيق مع روسيا الحاضرة بقوة في الملف السوري. روسيا هاته التي تنسق معها، أليست من عطلت قرار مجلس الأمن بإدانة تركيا؟
تركيا في وئام إذن مع روسيا بخصوص الملف السوري، وهي أيضا ثاني قوة في الناتو. وهي فوق ذلك لا تتوانى عن استعمال القوة تجاه أية محاولة لزعزعة استقرارها، وتقمع هذه المحاولة في المهد تماما، كما تصرف النظام السوري لمنع الإطاحة به.
لقد تصرفت أنقرة في شمال سوريا مثلما تصرفت دمشق خلال كل السنوات الأخيرة مع المعارضة السورية، بل هي تتصرف فوق ذلك استباقيا وعلى أراض غير أراضيها. ولذلك هناك من يراها في حالة شرود أخلاقيا ودوليا.
فقد تكون أخطأت الحسابات، بعد أن عاد خصومها ماسكين ضدها بورقة يزايدون بها عليها. كيف ستنتقد تركيا التدخل السعودي في اليمن، وهي تفعل الشيء نفسه في سوريا؟ كيف تساند الاسلام السياسي وتريده عابرا لكل الوطن العربي وهي تتشبث بحدودها القومية؟ ماذا يكون وضعها إذا تورطت في استعمال القوة المفرطة، أو إذا تسببت في إيقاظ المارد الداعشي من مرقده مرة أخرى؟ ما موقفها لو تسببت في احتقان إقليمي آخر إذا ما ثار أكراد العراق وإيران وربما تركيا أيضا تضامنا مع إخوانهم من أكراد سوريا؟
كيف يكون حالها إذا قامت أمريكا بتسليح القوات الكردية لخوض حرب عصابات استئنافية ضد الجيش التركي؟ هل تربح أم تخسر؟ التجارب تدل أن أصحاب الأرض دائما ينتصرون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى