الرأي

قصة طلاق

شامة درشول
هو، مخرج مسرحي، صعد من القاع إلى أعلى درجات الشهرة، حصد الجوائز، والتقدير. أما هي، فممثلة كانت تحلم بأن تكون نجمة في سماء هوليوود، لكن الحب جعلها تقنع بأن تكون بطلة في مسرحياته هو. أحبته من أول لقاء، وهو أيضا أحبها، تقول إنه رجل يملك إحساسا مرهفا، وإن علاقته بابنه منها رائعة، وإنه يحب الطبخ، ويحب أيضا التفاصيل الصغيرة، في حين يقول عنها إنها امرأة تتفهم جنونه، وتتقبل عيوبه، ولا يزعجها أنه يذرف الدموع كلما شاهد فيلما حزينا.
جمع بين الاثنين الحب، وتكللت قصتهما بالزواج، لكن المرأة التي كانت سعيدة بزوجها، استيقظت يوما وقررت أن تحول قصة زواجها إلى قصة طلاق. يفاجأ الزوج بقرار زوجته، ويعتبره مجرد نزوة عابرة، فتضطر للجوء إلى خدمات محامية لتثبت لزوجها أنها جادة في طلاقها، ويصبح الزوج مضطرا لأن يستعين بخدمات محام، وإلا فالمحكمة ستقضي بأن تحصل الزوجة على كل ما يملكه، بما فيها الجائزة المالية التي حصل عليها لتمويل مسرحية تقوم فيها زوجته بدور البطولة، وهنا تبدأ الأحداث في التصاعد، ليتحول الخلاف الذي كان بين زوجين اتفقا ألا يلجآ إلى خدمات المحامين، وأن يحلا مشاكلهما بطريقة ودية، إلى خلاف حاد ساهم المحاميان، وإجراءات الطلاق، وتركيز القانون على التسوية المادية، ومنح الحضانة لولي الأمر الذي يثبت أنه مقتدر ماديا، في أن يتحول من قصة زواج قائمة على الحب، إلى قصة طلاق عززت الهوة بين الطرفين، ووصلت بهما إلى حد تبادل الشتائم، والاتهامات، بل حتى تمني الموت للطرف الآخر.
في لقطة، يصرخ الزوج في وجه زوجته ويقول: «تمنيت كثيرا لو أصحو يوما وأجدك قد مت، تمنيت كثيرا لو تموتين، لو تختفين من حياتي، كنت سأفرح لذلك». هنا، تقف الزوجة مذهولة من كم الغضب الذي كان يكتمه الزوج في داخله طوال سنوات زواجهما، لا تنبس ببنت شفة، فينهار الزوج أمامها، يقع أرضا، وتقترب منه الزوجة ببطء، تضع يدها على كتفه، يجلس هو على ركبتيه وهو ينتحب باكيا، يلف بيديه ركبتيها، ويواصل البكاء وهو يقول لها: «أنا آسف».
يوافق الزوج على تلبية كل طلبات الزوجة، ويوقعان على ورقة الطلاق، والمفارقة أن ما وافق عليه الزوج من أجل الحصول على الطلاق، هو نفسه ما كانت تطلبه الزوجة لكي تكون سعيدة في زواجها، ولا تضطر إلى الطلاق. يكتشف الزوج متأخرا أن اهتمامه بنفسه فقط على حساب زوجته، وابنه، جعله يفقد زواجه، وتكتشف الزوجة أن تخليها عن حياتها، وطموحها، وأحلامها من أجل حبها لزوجها جعلها تشعر بأنها فقدت وجودها، وهي في حاجة إلى الانفصال عنه من أجل استرجاع هويتها. كان على الزوجين أن يقدما كل أموالهما للمحامين الذين يقتاتون من قصص الطلاق، ليكتشفا أن السبب الذي جعلهما ينتقلان من حالة الزواج إلى حالة الطلاق هو توحد طرف في شخص طرف آخر، في الوقت الذي كان عليهما الحفاظ على الزواج بين شخصين على كل منهما احترام الحياة الخاصة لكل منهما، وعدم ترك الزواج يلتهم طرفا لصالح طرف آخر.
يحمل الفيلم عنوان «قصة زواج»، قدم على نيتفلكس، وفي صيغة هادئة قصة زواج تتحول بسبب الإهمال، والأنانية، وجشع المحامين، وقوانين الأسرة، إلى قصة طلاق عاصفة. يحاول الفيلم أن ينبه المشاهد إلى تلك التفاصيل الصغيرة، التي يتسبب إهمالها في خلق تنافر بين الزوجين إلى درجة أنهما لا ينتبهان إلى أن البغض حل محل الحب، وأن دخول أطراف أخرى يعقد طلاقا كان يمكن أن يتم في هدوء.
نقطة أساسية لفتت انتباهي في الفيلم، هي إشارته إلى واحدة من الأسباب التي تحول الحب بين شريكين إلى كراهية، وزواجا إلى طلاق، وهو غياب الحوار بين الشريكين، حيث يميل أحدهما للتعبير عن نفسه، وما يطلبه، وما يحتاجه، لكن الآخر يقفل سمعه، وقلبه، ولا يرى في الآخر إلا امتدادا لنفسه، وليس شخصا مستقلا له رغبات، وحاجيات مختلفة عن الشريك الآخر.
في أحد مشاهد الفيلم، تشكو البطلة زوجها لمحاميتها، وتقول لها: «العالم كله يدور حوله، وأنا لا وجود لي، تخيلي حين حصلت على جائزة مالية بدل أن يفتخر بي قال لي إن علي أن أتبرع بها للمسرحية التي يقوم بتمويلها. يومها فقط انتبهت إلى أني مع الرجل الخطأ، واكتشفت أن كل ما أردت فعله كان يتجاهله، في الوقت الذي كنت أقوم بمساعدته على تحقيق كل أحلامه، لقد اكتشفت أني لم أكن موجودة، وأني كنت بطلة في مسرحياته، لكني مجرد كومبارس في حياته».
قصة زواج، ليس مجرد فيلم صنع في هوليوود، بل هو فيلم يصنع في كل بقاع العالم، حين تختل الموازين في قصة زواج تحول فيها الشريكان من رقم اثنين إلى رقم واحد، فوجدا نفسيهما في قصة طلاق يتحكم فيها أشخاص آخرون يتعاملون معهما على أنهما مجرد صفقة، وأرقام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى