شوف تشوف

الرأي

«كي ليابان كي ليامان»

شامة درشول 

 

 

 

لا أذكر تفاصيل النكتة، لكن أذكر منها أن أحدهم كان يمجد في اليمن ويقول إنها دولة عظيمة، واقتصادها قوي، فرد عليه أحدهم مصححا أنها دولة اليابان التي يتحدث عنها، وليست اليمن، فرد عليه: «أسيدي كي ليابان كي ليامان، الله يرزق غي الصحة والسلامة».

لم تضحكني يوما هذه النكتة، ليس لأن اليابان ليست اليمن، فاليمن بدوره كان ذات عهد دولة عظيمة، لكن لأنها كانت تعبر عن واقع مؤلم وهو محاولة مداراة الجهل والخطأ، بالاكتفاء بالدعاء بالصحة والسلامة. النكتة كانت تبطن الكثير من إهمالنا المتعمد لأهمية البحث العلمي في تقدم الشعوب.

استحضرت معضلة «ليابان وليامان»، وأنا أنتظر تسلم حقيبتي بمطار لشبونة، تلقيت رسالة على حسابي على «فيسبوك»، نادرا ما أطلع على خاصية الرسائل، وربما فعلت وقتها لأكسر ملل الانتظار، كانت من قارئ لجريدة «الأخبار» قال لي فيها: «أهلا شامة، اطلعت على مقالك «موقعة ليننغراد» أريد أن ألفت انتباهك أن مباراة المغرب كانت بكيليننغراد، وأن ليننغراد أصبح اسمها سان بترسبورغ».

شكرت القارئ على تفاعله، وأخبرته أني سأشير للأمر في مقالي القادم، وأني بنيت فكرة المقال على حصار ليننغراد ومعركة الملوك الثلاثة وكيف أن التاريخ يعيد نفسه، ويعيد معاركه وإن كانت عبر كرة القدم.

لكن حدث ما جعلني أغير رأيي، ولا أكتفي بمجرد ملحوظة تشير إلى الخطأ، وأن أحول الأمر إلى مقال، «فاليابان ليست كاليمن، وليننغراد ليست كيليننغراد»، وألمانيا، حاملة اللقب لم تكتف فقط بالهزيمة منذ اللقاء الأول، لكنها أقصيت، وأيضا من الدور الأول.

ليس هذا ما لفت انتباهي، بل ما كتبه أحدهم معلقا على هزيمة ألمانيا قائلا: «لا حظ لألمانيا في روسيا، لم يتعلموا من التاريخ».

في بحث سريع على «ويكيبيديا»، وجدت أن كيليننغراد، اسمها الأصلي ( Königsberg- كونيغسبرغ) بالألمانية، كانت دوقية بروسيا، ومقاطعة بروسيا الشرقية الألمانية، قبل أن يجري تغيير اسمها إلى كالينينغراد في عام 1946 بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة ألمانيا وطرد الروس سكانها الألمان. وقد سميت على اسم ميخائيل كالينين، الرئيس الأسبق للاتحاد السوفياتي.

لا أدري أين دارت رحى المعركة التي جمعت بين ألمانيا وفريق شاب من دولة شابة هي كوريا الجنوبية، لكن التاريخ يصر على أن يذكرنا بدروس لم ننتبه لتفاصيلها، والتاريخ يحاول أن يذكرنا بأن نظرية ابن خلدون لا تزال خالدة.

نظرية ابن خلدون تقول إن للدول دورة للحياة مثل الإنسان، هي مثله تعيش مرحلة طفولة يكون فيها هشا ضعيفا، ثم مرحلة الشباب يكون فيها صلبا وقويا، ثم مرحلة الشيخوخة وهنا يبدأ ضعف الدولة. ربما هي حكمة الله في ألا يسود قوم واحد إلى الأبد، ولا دولة واحدة إلى الأبد، وربما هي الحكمة التي علينا تعلمها من التاريخ، أن دورة الحياة تسري على الدول كما البشر، وأيضا المنتخبات الكروية.

منتخب ألمانيا لم يتم إقصاؤه من المونديال منذ سنة 1938، وخرج مهزوما مقصيا، وعلى أي أرض؟ أرض روسية، مثلما انهزم هتلر ألمانيا ذات سنة، في بلاد الروس.

التاريخ يصر على أن يذكر ألمانيا بالأمس، التاريخ يصر على أن يذكرني بدورة الحياة وابن خلدون، وأن الألمان أخرجوا على يد فريق شاب من بلد شاب، كان بالأمس القريب أرضا فقيرة، قبل أن يتخذ مكانا مجاورا للكبار، ويصبح كوريا الجنوبية الشابة القوية.

التاريخ يحاول أن يقول لنا شيئا وعلينا الإنصات، الإنصات جيدا لدروسه، لإشاراته، لعلنا نتوقف عن التذمر من الحاضر، ولعلنا نتطلع لمستقبل جديد، نسترجع فيه مجد المغرب حين كان امبراطورية مهابة، قد لا يكون اليوم نصيرنا، وقد يبدو المستقبل المشرق بعيدا، وليننغراد ليست كيليننغراد، واليابان ليست اليمن، لكن درسا واحدا علينا التقاطه من التاريخ، وهو «يوم لك ويوم لنا»، وهذه عدالة السماء في الأرض، التي لا تتحقق إلا إن التقطها أبناء اليوم من ماضي الأجداد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى