
حاوره: يونس جنوحي
متى علمت بشأن مخطط اختطاف الحسين المانوزي من تونس؟
+علمتُ به من فريق الجنرال الدليمي. لكن الغريب أن الجنرال لم يكن هناك لمتابعة الموضوع كما كان يفعل في قضايا أخرى أشرف عليها.
ففي لبنان كان يأتي إلى الفندق ببيروت، ويتصل بمقر السفارة، ويسألني عندما كان المحتجز رهن التحقيق: «واش غنّى؟» (يضحك) يقصد طبعا هل اعترف المحتجز بمعلومات مهمة.
في قضية الحسين المانوزي لا شيء من هذا السيناريو وقع.
حسنا.. لنرتب الآن الوقائع. كيف تم التخطيط لعملية الاختطاف؟
+أنا طبعا علمتُ فورا أنهم جاؤوا من أجل الحسين المانوزي. وكانوا يحاولون استدراجه. وأنا بحثت عن أي وسيلة لكي أغادر تونس حتى لا أحضر العملية. وقمت بتحذير المانوزي منهم، خصوصا أنه رآهم في المطعم عندما كنتُ معه.
حدث هذا عندما تكونت بيني وبينه ثقة تامة وجاء إلى منزلي وتعرف على عائلتي الصغيرة. أذكر أنه جاء يحمل في يده باقة ورود، وكان خجولا جدا، ورحبت به زوجتي الأولى الإيطالية رحمها الله. وجلس مع أبنائي إلى طاولة واحدة.
بعد العشاء جلستُ أدردش معه فأخبرني أنه عزم نيته على الارتباط والزواج من سيدة تونسية تعرف عليها في ليبيا.
طلبت منه أن يخبرني بالضبط كيف تعرف عليها. وأيقنت أنه يمكن استغلالها ضده من فريق عملية اختطافه. طلبتُ منه أن يكون حذرا، وودعته لكي يعود إلى ليبيا.
كانت تلك آخر مرة تراه فيها؟
+لا. حدث أن التقينا على الحدود مرة أو مرتين إضافيتين قبل 29 أكتوبر 1972، موعد اختطافه من تونس. وكانت معنوياته مرتفعة وكان متفائلا. واصلت تحذيره وطلبت منه ألا يدخل إلى تونس، وأن يبقى قدر الإمكان في ليبيا. لأنه من الصعب تنفيذ اختطافه فوق التراب الليبي، لأن فريق الدليمي سوف يجد صعوبة بالتأكيد في مغادرة الحدود الليبية دون أن يتم توقيفهم.
ما وقع بالضبط أن أعضاء الفريق استطاعوا الوصول إلى السيدة التونسية التي كان الحسين المانوزي على اتصال معها.
هل التقيت أنت هذه السيدة؟ ماذا تعرف عنها؟
+لم ألتقها نهائيا لكني سمعتُ عنها منه، وكانا ينويان الزواج في أقرب فرصة. أعتقد أنه دخل معها مرة إلى تونس، فرآها فريق عملية الاختطاف، وتعقبوها وجمعوا معلومات عنها، وبعد رحيله ذهبوا إليها وضغطوا عليها لكي تشترك معهم في استدراجه وحيدا إلى تونس. وهنا بدأ التنفيذ.
كم استغرقت العملية؟
+ليس كثيرا. ربما شهرا أو أقل بعد تعرفهم على خطيبته. بدأ الحسين المانوزي يتصل بها لكي يلتقيا في ليبيا كما كانت عادتهما. لكنها كانت ترد عليه بأنه يتعين عليه الدخول إلى تونس وأنه يتعذر عليها لقاؤه هناك.
ذهبتُ مرة إلى الحدود كما كانت عادتي، وضربت معه موعدا في «الواحة». وأخبرني أنه سوف يذهب إلى تونس لكي يلتقيها. طلبتُ منه ألا يدخل وأخبرته بالخطر المحدق به.
كنت تعلم أن السيدة استُعملت كطعم؟
+أفراد فرقة الاختطاف لم يكونوا يثقون بي. لم يخبروني لكني أحسست. كان الأمر واضحا لأني أعرف أنهم كانوا يراقبون تحركاته جيدا.
عندما رأيت إصراره على لقائها بعد أن حددا موعدا مسبقا للقاء في تونس، ودعته غاضبا وانصرفت.
ذهبت إلى مقر السفارة ودخلت إلى مكتبي، وطلبت أن أذهب في مهمة إلى إيطاليا. كان هذا في آخر أسبوع من أكتوبر 1972.
لماذا ذهبت إلى إيطاليا؟
+حتى لا أكون حاضرا خلال عملية الاختطاف. لم أرد أن أحضر حتى لا أتورط لأن المانوزي أصبح صديقا لي ويعرفني جيدا ويعرف أبنائي وزوجتي. وعلاقتي به لم تعد تسمح أن أراه مخطوفا دون أن أتدخل. لذلك وقعت الخارجية فعلا على رخصة ذهابي إلى إيطاليا. أولا لأني كنت سابقا في السفارة الإيطالية ولأن زوجتي إيطالية، وأيضا لأنهم في السفارة كانوا يحتاجون بين الفينة والأخرى اتصالا مع مسؤولين إيطاليين، وكنت أتكلف إما بالترجمة أو البحث، خصوصا في المجال الأمني لأن الجنرال الدليمي كان يلتقي بمسؤولين في المخابرات الإيطالية..
هل لديك دليل على أنك لم تكن موجودا في التراب التونسي يوم اختطاف الحسين المانوزي من هناك؟
+نعم. لدي جوازي الدبلوماسي، وفيه ختم من الجمارك التونسية يؤكد أنني غادرت تونس. لكني عدتُ يوم اختطافه بالضبط لأن فريق الدليمي لم يكف عن الاتصال بي وأكدوا لي أن هناك أوامر عليا تقتضي دخولي فورا إلى تونس وقيادة سيارة دبلوماسية من تونس إلى المغرب باستعمال جوازي الدبلوماسي. ولم يكن بإمكاني الرفض.
وفعلا، جوازي الدبلوماسي يوفر دليلا آخر، وفيه ختم للجمارك التونسية يؤكد أنني دخلت التراب التونسي يوم العملية بالضبط.
لماذا عدت ما دمت لم تكن راغبا في حضور العملية أساسا؟
+كان الأمر فوق طاقتي. بذلت ما في وُسعي لكي أغادر لكنهم لم يتركوني وشأني، وجاء الأمر بأن أدخل إلى تونس لمهمة عاجلة. لم يكن الرفض ممكنا نهائيا. لقد جاء الأمر من السفارة.
المهم، عندما دخلت إلى تونس وجدت فريق الدليمي، وكانوا ثلاثة أفراد كما قلت لك سابقا، قد نجحوا في اختطاف الحسين المانوزي ووضعوه في صندوق سيارة دبلوماسية سوداء من تلك التي كانت تتوفر عليها السفارة المغربية في تونس.
هل تكلمت معه؟
+كان مقيدا في صندوق السيارة. طلبتُ منهم إطلاق سراحه، لكنهم رفضوا وأخبروني أن الأوامر تقتضي بنقله إلى المغرب وقالوا لي: أنت لديك جواز دبلوماسي، وسوف تعبر بنا الحدود الجزائرية نحو المغرب. كان وضعا حرجا جدا.





