شوف تشوف

الرأي

مشجع في وضعية «الصامت»

حسن البصري

 

كل الذين تابعوا مباراة المنتخب المغربي ونظيره الغيني، من مدرجات ملعب الأمير مولاي عبد الله، سيجزمون بأن زمن الحجر على مدرجات الملاعب قد ولى، وأن العودة التدريجية للجماهير إلى الملاعب قد تحققت.

حوالي ألف متفرج تابعوا المباراة وهم سعداء بالعودة، وأغلبهم من المحظوظين الذين كتبت لهم متابعة المواجهة من المنصة، قبل أن يعلن بشكل رسمي فتح الملاعب في وجه المشجعين.

كانت رائحة العزوف والهجران تنبعث من مدرجات الملعب، ولكن المتفرجين الذين كتب لهم حضور المباراة أصروا على تأريخ الحدث عبر كاميرات هواتفهم الذكية، فيما شوهد الصحافيون وهم يتبادلون العناق في منصتهم المغبرة، وعلى وجوههم تقاسيم فرحة اللقاء بعد معاناة مع تغطيات عن بعد وحوارات في لايف وندوات معلقة في مشجب وباء يحزم حقائبه استعدادا للرحيل.

في يوم العودة التدريجية، لا وجود لباعة متجولين في المدرجات، ولا حراس سيارات ودراجات، لا مناصرين يرابطون قرب منصة علية القوم في انتظار خروج رئيس الفريق لاستفساره عن الانتدابات.

في مباراة المنتخب المغربي ونظيره الغيني، ظل الفيراج صامتا يثير الرعب في خلوته، فيما كانت المنصة المغطاة تعيش دفء الجمهور في ما يشبه مناورة لاختبار إمكانية عودة الجمهور إلى الملاعب.

سقط المشجعون في أول امتحان. داسوا على علامات التشوير المنتصبة في مداخل المدرجات. لم يحملوا كماماتهم ولم يحترموا قواعد التباعد الجسدي، ولم يعيروا اهتماما لقارورات مواد التعقيم، وانخرطوا في التحام مع كل محاولة تهديف، بالرغم من وجود عشرات الممرضين والمسعفين والمتطوعين الذين آمنوا أن فرجة الكرة تلغي التعليمات الصحية وتطيح بالتدابير، فمع كل هدف ينخرط الجهاز الطبي في لحظة عناق وهتاف تسقط عنهم صفة ملائكة الرحمة وتحولهم إلى إنس وعفاريت المدرجات.

بدا المشهد غريبا، بعدما افتتح مذيع الملعب حديثه بعبارات الترحيب بالجمهور، وناب عن الفيفا والكاف والجامعة في الإشادة بالحضور الجماهيري. تبين أن الحضور التدريجي مرخص له من الهيئات القائمة على الكرة في هذا الكون، وأن الألف متفرج الذين تابعوا المباراة يحملون جواز التلقيح ودعوة رسمية وترخيصا بالتصفيق، وأنه لا متفرجَ سريا بيننا.

حين وطأت أقدام عناصر الفريق الوطني المغربي عشب الملعب انهالت عليهم التصفيقات، فداهمت غارة التشجيع كل اللاعبين، فأصروا على تسجيل الحدث عبر سيلفي للتاريخ والجغرافيا.

بالطبع سيكون من الصعب تخيل الملاعب خالية طوال الوقت، ولا أحد يحب أن يستمع إلى صراخ اللاعبين والمدربين طوال المباراة، وسيكون من المحزن مشاهدة ملعب كبير دون صخب المدرج الجنوبي والشمالي، ولن يحب أحد أن يلعب منتخبنا دون أن نسمع مشاعر الانتماء وتفاعل المغاربة مع نبض المواجهة، أو نعيش فاصل انفلات حين يقتحم مشجع البساط الأخضر.

حين لمس منظمو مباراة منتخبنا ضد نظيره الغيني حماسا زائدا عند بعض المتفرجين الذين انتابتهم نوبة تشجيع أشبه بـ«الحال»، تدخلوا على وجه السرعة لتنبيه المنفلتين وتذكيرهم بظرفية الوباء وحثهم على التباعد قدر الإمكان وإشعارهم بأن المباراة مجرد «بروفة» لقياس إمكانية الفرجة المتاحة.

انتفض أحد المشجعين وطالب بحقه في فرجة كاملة الأركان، فرد عليه مسؤول عن التنظيم يحمل شارة «منظم رئيسي»، وفي يمناه «طالكي وولكي»، «مهلا أيها الرجل حقوق الإنسان يجب أن تبدأ في البيت قبل الملعب»، ثم انسحب تاركا وراءه مشجعا منشغلا بفك اللغز.

أكدت التحريات أن المشجع يحمل صفة شاعر من شعراء المدرجات يوزع قوافيه على مناصري فريق يملك قاعدة جماهيرية واسعة، وفي نهاية المباراة طويت صفحة الخلاف واقتنع المنظم بأن للشعر أميرا هو أحمد شوقي وأن للملعب قائما بأعمال الشاعر.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى