شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

«مصري» أكثر من الفرنسيين

 

 

 

يونس جنوحي

 

أكثر من مليون ونصف مليون أورو جُمعت في حملة تبرع قادها يميني فرنسي متطرف، من أصل مصري، لجمع تبرعات لصالح عائلة الشرطي الذي قتل الشاب اليافع «نائل».

نعم، لقد قرأتم الجملة جيدا. اليمين المتطرف الفرنسي انخرط بقوة في الحملة التي أطلقها هذا المصري الذي أصبح فرنسيا يدافع عن الفرنسيين أكثر من «نابليون».

أكثر من 85 ألف شخص انخرطوا في الحملة لفائدة عائلة الشرطي المعتقل حاليا على ذمة التحقيق في ملابسات الواقعة.

ورغم أن حقوقيين فرنسيين ومحللين أمنيين اعترفوا بأن إطلاق النار على الشاب الفرنسي من أصل جزائري لم يكن ضروريا أبدا، وأن الشرطي تهور واستعمل سلاحه الوظيفي ضد شاب لم يبلغ السن القانونية بعدُ، ولم يكن يشكل أي خطر نهائيا لا على سلامة الشرطي ولا على السلامة العامة.

عدم امتثال شخص ما، بغضّ النظر عن سنه، لشرطة المرور لا يستدعي قتله، وإلا لكان أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية في المقابر حاليا.

المتبرعون الفرنسيون لحملة جمع الأموال لفائدة أسرة الشرطي القاتل كلهم من اليمين المتطرف الفرنسي، وبينهم سيدة تبرعت بمبلغ ضخم لم تكشف التقارير الفرنسية عن مقداره بالضبط، سبق لها أن فقدت زوجها الشرطي.

الأرملة الفرنسية فقدت زوجها أثناء تأديته لواجبه، بعدما دهسه سائق متهور. ورغم أنه لا علاقة لملابسات الحادث المأساوي الذي كلّف زوجها حياته، بواقعة الشاب اليافع «نائل»، إلا أن صاحب مبادرة جمع التبرعات لعب على عاطفة هذه السيدة لكي تتبرع بمبلغ محترم جدا.

حملة التبرعات هذه تكشف إلى أي حد صار المجتمع الفرنسي يعيش انقساما كبيرا بين معسكرين.

المتطرفون مستعدون لدفع المال والتكفل بأسرة الشرطي الذي قتل قاصرا بدم بارد، لم يكن يشكل أي خطر يستدعي إشهار السلاح في وجهه، فما بالك بقتله. والأكثر من هذا أن حملة كبيرة أطلقها اليمين، لم يتعاطف معها إلا اليمينيون، وهذا يعني أمرا واحدا: القضية أصبحت سياسية ولا علاقة لها بالبُعد الإنساني.

وإلا لخرج الفرنسيون، بمختلف فئاتهم، للتعاطف مع عائلة الشرطي القاتل، تماما كما خرجوا من قبل للتضامن مع حالات إنسانية بغض النظر عن انتمائها السياسي.

استطاعت مجلة «لوبس» الفرنسية الشهيرة أن تصل إلى هوية الشخص الذي قاد التبرعات، وهو مصري مسيحي حاصل على الجنسية الفرنسية، وينتمي إلى اليمين المتطرف الفرنسي.

الرجل يُدعى «جان مسيحة»، وهو الذي أطلق المبادرة منذ بدايتها وقادها بنفسه وأشرف على نشر الدعوة إلى التبرع عبر الرسائل، واستجاب لها من يشاركونه التوجه نفسه.

التقرير، الذي نشرته المجلة، لم يشر إلى مشاركة مُتبرعين من أطياف أخرى.

ربما أن السيد «مسيحة» حديث عهد بالفرنسيين أو أنه لا يعرف اليمينيين جيدا. وهذا أمر مفهوم، خصوصا وأن الحصول على جنسية بلد ما لا يعني بالضرورة فهم ثقافة البلد جيدا.

الفرنسيون المتدينون لا يعتبرون الآخرين فرنسيين مثلهم حتى لو كانوا يشاركونهم الديانة  نفسها، وإلا لصار كل اللبنانيين المسيحيين فرنسيين.

الانتماء لفرنسا له علاقة بالدم أكثر مما يرتبط بالذهاب إلى الكنيسة يوم الأحد. ورغم أن الجنسية الفرنسية تُمنح سنويا للآلاف من مختلف الأصول التي هاجرت إلى فرنسا، إلا أن الفرنسيين لا يعتبرون كل من يحمل جواز بلدهم فرنسيا.

ربما قد يفهم السيد «مسيحة» الدرس متأخرا، عندما سيشاهد بعينيه كيف أن اليمين المتطرف مستعد للنزول للشارع والمطالبة بسحب قانون منح الجنسية الفرنسية للأجانب حتى لو كانوا مسيحيين وحتى لو وُلدوا في فرنسا لأبوين غير فرنسيين. وعندها فقط سيفهم لماذا قال أسلافنا، الذين كانوا يرتادون الجلابيب، إن لبس السروال وحلق الذقن لا يجعلان منك فرنسيا، والأمر نفسه صار ينطبق اليوم على جواز السفر. وهكذا، فإن صاحبنا ليس، في عيون الفرنسيين المتطرفين، إلا «مصريا» يحاول أن يكون فرنسيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى