شوف تشوف

الرأي

ممارسة التدريس(9 /10)

بين الشكل و الجوهر
ينشغل مُمارس التدريس بدوره التربوي التعليمي و هو جوهر رسالته، عن التعاطي مع الأمور الإدارية و الأوراق الرسمية و المذكّرات و المراسلات المتحكّمة في العمل من حيث الشكل، بما يلزم من حذر و يقظة و حيطة و تتبّع، ممّا قد يعرّضه لتبعات تضايقه أحيانا و ربما تكون وخيمةً أحياناً أخرى.
إنها أمور قد تُعتبر شكليةً إذا قيست بالمهام الأساسية للتدريس و التربية، لكنها ضرورية و لها أدوار تنظيمية، و أصبح القيّمون الحاليون على التعليم يضعونها معياراً خالصا في تقييم الأداء و القيام بالمهام الوظيفية على وجهها: إنه الشكل، أما الجوهر فهناك عجز حقيقي عن الوصول إليه و تمييزه.
فالمهم في دفتر النصوص هو ملء مواعيد الفروض و تواريخ الحصص و عناوين الدروس و المهم في أوراق تحرير الفروض هو مطابقة النقطة لما هو مدوّن في المحاضر و المهمّ في العمل هو التواجد داخل الحجرة الدراسية في أوقات جدول الحصص، و المهم في العمل هو الاحتفاظ بالتلاميذ و عدم إخراجهم قبل الوقت، و المهمّ في الاجتماعات هو توقيع محضر الحضور و المهمّ في المرض هو إحضار الشهادة الطبية و ملء مطبوعات الرخصة و مطبوعات استئناف العمل و هكذا…
إنها أمور شكلية في عُرف و جوهر الممارسة الحقيقية للتدريس، و قد لا يجيدها المنشغل لأداء أدواره المحورية أو قد يغفل عن بعض تفاصيلها و قد تجلب له مشاكل تتباين فداحتها بطريقة تفاعل المحيطين به حولها.
لقد أصبح العجز عن تطبيق القوانين و تنظيمها و تفعيلها بشكل سليم و عن إصلاح التعليم من الأسباب الرئيسية في جعْل هذه الأمور الشكلية محورية في تقييم الأداء و التعامل مع الأستاذ، إنها مهزلة حقيقية في منظومة تربوية لكنه الواقع الذي لا مفرّ منه.
إن ما أشرنا إليه يُميط اللّثام عن أمور يجب الاطلاع عليها و مجاراتها حتى لا تسبّب مشاكل تعيق عمل الممارس الحيّ و تؤثّر على نفسيته و عطاءه.

الفرض المنزلي
تدريب من نوع خاص، ينمّي قريحة البحث و يتيح الاعتناء بالصياغة و التنظيم و يمهّد للفرض المحروس. لكنّ طريقة إنجاحه في الشكل و المضمون غير يسيرة، فهناك إهمال متعاقب لهذا النوع من الأنشطة، و هناك ضبابية في التوجيهات التربوية المنظّمة له، و هناك إرهاق للممارس في التصحيح لكثرة الفروض المحروسة و كثرة الأقسام المسندة، و هناك عامل تداول العمل بين التلاميذ مما يصعّب التعرف على المُنجِز الحقيقي له و يؤثر على مصداقيته، و أخيراً هناك عامل طريقة الاحتساب و التحفيز العملي للتلميذ للاعتناء به و الإقبال عليه.
شخصيا أعتبره في الرياضيات عاملاً أساسياً في التكوين إذا انتُهِجَت طرق فعّالة و مبتكرة لإنجاحه، مع الاستعداد و القابلية لتصحيحه و استثماره، و هنا نشير إلى مايلي:
– شرح مستفيض في بداية السنة لأدواره التكوينية و فوائده العملية.
– اعتماد تمارين تكون إعدادية للفرض المحروس و لها تشابه مع بعض مكوناته و الإعلان عن ذلك للتحفيز على الإقبال عليه مع إضافة أنواع أخرى من الأسئلة تكون لاستكمال التعمق و البحث.
– التنقيط بالأصناف و تعتمد على عدد الأخطاء المرتكبة أو عدد الأسئلة غير المنجزة.
– كتابة ملاحظات خاصة بكل تلميذ عن نتيجة الفرض المنزلي و عن التلميذ بصفة عامة في دراسته عموماً تتضمن نصائح و توجيهات و تشجيعاً أو تنبيهاً حسب ما تقتضيه الحاجة، و هذه الملاحظات لها وزن كبير عند التلاميذ و لها تأثير كبير في تحديد معالم العلاقة مع الأستاذ كما تشكل مجالاً للتفاعل أكثر مع الدراسة و الإقبال على الفرض المنزلي أكثر.
– إعطاء وقت كاف للإنجاز و الاعتناء بتصحيح الأوراق حسب ما يتيحه الوقت و الجهد و تزاحم الأشغال.
– التعليق على جوانب الصياغة و التنظيم و طريقة الإنجاز.
– التصحيح في القسم حسب الظروف و الأحوال، و يمكن ربح الوقت بتعميم الحل مطبوعاً
أو إشارات منه أو أجزاء منه مع مذاكرة المُبهم من الأسئلة و تفصيل الجواب عنها في الحصة الدراسية.
– طريقة التصنيف و عدم اعتماد النقط يقلّل من النّقل بين التلاميذ كما أن كتابة الملاحظات تعتبر حافزاً أهم من نقط إضافية خاصةً و أنه يُبرز اعتناء الممارس بكل فرد من قسمه و اطلاعه التفصيلي على أحواله الدراسية. و أخيراً ارتباط بعض مكوناته مع الفرض المحروس حافز إضافي هام للتعاطي معه بالجدية المرجوّة، إنها وسائل عملية مجرّبة لكن لا بد من إبراز الإرهاق الكبير الذي يسبّبه هذا الشكل من الفروض المنزلية على الممارس مما يجعل كل ما أشرنا إليه مشترطا بالقدرة و الحاجة و نوع التلاميذ و المستويات و نوع العلاقة معهم.

التسويق
كلمة رائجة عند أصحاب التجارة، و مادّة مدرّسة في معاهد الاقتصاد و التسيير، و مفهوم طغى و نما و غطّى مجالات كثيرة في الصناعة، و أصبح له مختصّون في الإعلام و الصحافة و عالم الإشهار.
له هدف نظري مقبول و هو طريقة نشر و بيع و عرض المنتوج للحصول على الإقبال المنشود و فتح شهية الزبون لإحداث رغبة و حاجة لاقتناء المنتوج و لو لم يكن لازماً له.
و هذا التعريف يصلح تطبيقه عند ممارسة التدريس خاصة مع المتغيرات الحالية و المستجدّات المرتبطة بطبيعة المواد و طبيعة المتمدرسين و عقلياتهم. فالمعارف و الدروس و التمارين كهدايا تحتاج لتغليف و تزيين لإظهار قيمتها و كمنتوج معروض يحتاج لتسويق فعّال لكي يتم الإقبال عليه، و هنا لا بد من أمثلة:
* عند بداية درس جديد لا بد من إبراز جدواه و قيمته و تطبيقاته و امتداداته و الاحتياج إليه عبر أمثلة بسيطة مقنعة، و هذا ما نعنيه بالتسويق له، و هذا يساعد على إثارة الانتباه و بعث الحماس في جوّ القسم.
* عند إعطاء تمرين يمكن دائما الإشارة إلى قيمته و ما أسلفنا ذكره، كما أن طريقة طبع سلسلة التمارين و طريقة توقيع الممارس عليها و طريقة عرضها و توزيعها و توقيت ذلك في الحصة أمور تسويقية مستحسنة.
* إن التدريس في حد ذاته أصبح مستهدفاً، و قيمة الأستاذ كمهنة و كمكانة اجتماعية أصابتها خدوش كثيرة، و هنا لا بدّ من عمل عكسي يقوم به الممارس في قسمه و مع تلامذته لإبراز قيمة التدريس و إبراز قيمة ما ينجزه و قيمة المعارف و العلوم التي يدرّسها بأسلوب لبق و كلمات منتقاة بعناية و بتوقيت مناسب و في مناسبات متفرّقة بعيداً عن الشحن التعبيري و بعيداً عن منطق المنّ و الاستفزاز و الاستعلاء، و هذه تقنيات في الإعلام و الإشهار مفيدة للغاية.
* هناك شُعَبٌ معاملات الرياضيات فيها ضعيفة، فيعتبر التلاميذ أنفسهم في غنى عنها. و هنا لا بدّ للممارس أن يبحث عن وسائل تسويقية لخلق الحاجة و الرغبة لديهم في الإقبال عليها، و التفكير في الأمر يُطوّر طرقاً جديدة في التعاطي و التعامل معهم و في مناولة دروسهم و أنماطاً جديدة في التدريس.
* هناك دروس لا يُقبل عليها التلاميذ لصعوبتها في نظرهم أو لأنها غير رائجة في الامتحان الإشهادي و هي تحتاج كذلك لتقنيات التسويق لمباشرتها بطريقة فعّالة.
إن كل ما أوردناه هو ملامسة جانب مساعد مجرَّب في الممارسة، استحضاره و التفكير فيه يؤدّي بالضرورة لاعتماد و تطوير أساليب جديدة حسب طبيعة الممارس و التلميذ و المادة و الشعبة و الحاجة إليه، و الله المستعان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى