
نعيمة لحروري
في لقاء إذاعي بثته إحدى الإذاعات الخاصة، خرج رئيس الجمعية الوطنية لمربي الأغنام والماعز بتصريح حازم أكد فيه أن جمعيته لا تستفيد من أي دعم عمومي، ولا علاقة لها بالمال العام، وأن الدعم الذي تقدمه وزارة الفلاحة يذهب مباشرة إلى مربي الماشية، فيما نسبة 30 في المائة التي تحتفظ بها الجمعية من قيمة الدعم يمنحها «الكساب» طواعية، مقابل ما تقدمه له من خدمات.
كما شدد على أن الجهة الوحيدة المخولة بمساءلة الجمعية هي «الجمع العام»، لا أي جهة رقابية أخرى.
كان ذلك التصريح واضحا في نفي أي علاقة تربط الجمعية بصناديق الدولة، أو بأموال دافعي الضرائب.
لكن المفارقة الكبرى أن هذا التصريح جاء، قبل أن يخرج وزير الفلاحة، وفي جلسة رسمية تحت قبة البرلمان، ليقول العكس تماما. إذ أكد أن الجمعية تستفيد من الدعم العمومي، وهي بذلك تخضع لمراقبة المجلس الأعلى للحسابات وباقي هيئات الرقابة المالية.
هنا يصبح السؤال مشروعا: من نصدق؟
هل نصدق الوزير الذي يمثل مؤسسة دستورية وينطق باسم الحكومة، أم رئيس الجمعية الذي يتحدث باسم هيئة مهنية تسيّر دعما حكوميا، وتدعي أنها لا تلمس المال العام؟
إذا كانت الجمعية لا تتلقى دعما، كما يقول رئيسها، فلماذا تتوسط أصلا في صرف الدعم؟ ولماذا تُمنح 30 في المائة من المبالغ المخصصة لمربي الماشية؟ وهل يملك المربون فعلا حرية منح تلك النسبة، أم أنها أصبحت أمرا مفروضا واقعا لا مجال للنقاش فيه؟
الأدهى من ذلك، أن كلام رئيس الجمعية يوحي بأن الجمعية تعمل في استقلال تام عن الدولة، في حين أنها في الواقع تمثل حلقة حاسمة في توزيع دعم مصدره المال العام، وتلعب دور هيئة شبه رسمية دون أن تخضع لنفس شروط الشفافية والرقابة، التي تخضع لها باقي مؤسسات الدولة.
من جهة أخرى، يطرح هذا التناقض سؤالا أعمق عن العلاقة الغامضة بين وزارة الفلاحة والجمعية. فإذا كانت الوزارة تعتبرها شريكا وموزعا للدعم، فمن الطبيعي أن تُخضعها للمحاسبة، وتطلب منها كشفا دقيقا بكيفية صرف تلك الأموال. وإذا كانت الجمعية ترفض هذه الرقابة وتعتبر نفسها جمعية «خاصة»، فلا داعي لأن تظل حلقة بين الدولة والمستفيدين.
أما «الكساب» الصغير، الذي لا حول له ولا قوة، فلا يهمه كثيرا إن كانت الجمعية تستفيد مباشرة أو تتوسط، بقدر ما يهمه أن يصله الدعم كاملا، دون اقتطاع ولا وسيط، وبشفافية تامة. يهمه أن يشعر بأنه جزء من السياسة الفلاحية وليس مجرد رقم على ورق.
ما نحتاجه اليوم هو فتح نقاش وطني مسؤول حول كيفية توزيع الدعم الفلاحي، ومراجعة الأدوار الموكولة إلى الجمعيات الوسيطة، وتحديد مسؤولياتها بدقة، ومن يراقبها، وكيف تُحاسب.
ما نحتاجه هو عدالة في الدعم، وشفافية في التدبير، ومحاربة حقيقية لكل مناطق الظل التي تدار فيها الملايير بلا محاسبة ولا منطق.





