حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

ميدالية في رياضة «الشك»

يونس جنوحي

رغم أن مغامرة ابن بطوطة مرت عليها سبعة قرون الآن، إلا أنها ما زالت تشغل الباحثين، والمتخصصين، والرحالة، والفضوليين أيضا.

عندما صدرت الترجمة الصينية لرحلة ابن بطوطة الشهيرة، قبل عشرين سنة تقريبا، وُجهت انتقادات إلى منفذي الترجمة، على اعتبار أنها لم تكن ترجمة أمينة. والنتيجة كانت تشكيك بعض المثقفين الصينيين في مسألة وصول ابن بطوطة إلى الصين.

كوكبة المشككين في وصول ابن بطوطة إلى بعض الدول التي ذكرها في نص رحلته، تبني شكها على ما ورد على لسانه من مشاهدات، تختلف مع ما سجله مؤرخون ينتمون إلى هذه الدول. وهؤلاء، يتصورون أن ابن بطوطة كان نائما في خيمته في الصحراء العربية، ويتصور معالم الحياة في شرق آسيا! كما لو أن السينما كانت موجودة في ذلك الوقت، لتسعفه حتى يتخيل المشاهد.

وحتى لو اعتمد ابن بطوطة على مشاهدات غيره لكي يدعي مثلا أنه وصل إلى الصين، فإنه سوف يحتاج إلى أن ينفذ إلى دماغ الذين جالسهم لكي يكوّن صورة واضحة عن معالم الحياة في الدول التي زارها في طريقه إلى الصين. هذا دون أن نذكر إلى أنه يحتاج إلى تعلم اللغة الصينية أولا، لكي يفهم أوصاف الصين وسكانها وغاباتها وبناياتها وطعامها، على لسان الصينيين الذين سوف نفترض أن التقاهم في مكان آخر. بحكم أن بطوطة يصنف الآن، أول عربي مسلم يصل إلى الصين، ولم يسبقه غيره إليها.

وهنا، يتضح أن التفسير الوحيد لسرد ابن بطوطة لمعالم الحياة في الصين، أنه ذهب إليها فعلا.

صدرت ترجمات أخرى لرحلة ابن بطوطة، واتضح أن بعضها احتوت على أخطاء قاتلة في الترجمة، إما بسبب ضعف إلمام المترجمين باللغة العربية، رغم تمكنهم من لغتهم الأم، أو بسبب اللغة «العتيقة» التي كتب بها ابن بطوطة مخطوطه الأصلي، والتي لم تعد متداولة حتى بين الكتاب العرب، فما بالك بالأجانب الذين تعلموا اللغة العربية بآلياتها الحالية.

علما أن مضامين مشاهدات ابن بطوطة، لا تناقض أبدا أي معالم من معالم الحضارات التي زارها، وهو ما يجعل رحلته عملا توثيقيا معتبرا لدى عدد مهم من المؤرخين، حول العالم.

هناك رياضة عالمية مزدهرة منذ قرون، ولم يمحها العلم ولا تطور العلوم ولا حتى الحروب والزلازل والأوبئة، وهي رياضة التشكيك في كل شيء، بسبب وبدون سبب.

هذه الرياضة، ما زالت تُنجب العمالقة حتى الآن. خذ أي وثيقة، مهما كانت دقة معلوماتها، سوف يبرز لك من يطعن فيها ويفندها ويكذب محتواها.

الإنسان صعد إلى القمر. وهناك مشككون في أن لقطة رائد الفضاء «أرمسترونغ»، قد صُورت في استوديوهات «هوليوود». وبسبب هذا الادعاء، اضطر رائد الفضاء المسكين إلى قضاء ما تبقى من حياته، بعد الرحلة الشهيرة، في التخفي واتخاذ الاحتياط من المجانين الذين طاردوه في كل مكان، واتهموه بالمشاركة في أكبر كذبة أمريكية في القرن العشرين!

إذا كان هذا حال أول من وضع قدمه فوق سطح القمر، وصُور المشهد مباشرة بإشراف من فريق يتكون من مئات العلماء والمتخصصين في وكالة دولية لديها مقر ومعدات وصواريخ ووثائق، فكيف سيكون حال ابن بطوطة الذي ذهب إلى أن وصل الصين، وعاد إلى طنجة ليكتب مشاهداته في رحلة استمرت قرابة ثلاثة عقود، لم يرافقه خلالها أحد!

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى