
سجلت أغلبية المجتمع المغربي من خلال مؤشرات واضحة إيجابية التحركات الأمنية والقضائية الأخيرة، لمواجهة الطوفان الرقمي لنجوم التفاهة والجرائم الخطيرة التي يرتكبونها بشكل يومي داخل المغرب وخارجه، حيث تم فتح تحقيقات قضائية واعتقال عدد من المتورطين، وهي خطوات يجب أن تستمر وتتعزز أكثر، بالتطبيق الصارم للقانون دون انتقائية أو منطق الحملات، لأن الأمن الرقمي لا يقل أهمية عن باقي أشكال الأمن الذي يعيشه المغاربة عبر التاريخ.
ففي زمن فوضى النشر والمنصات الاجتماعية المفتوحة، بزغ في سماء العالم الرقمي «نجوم» من نوع آخر، لا يحملون موهبة ولا يقدمون علما نافعا ولا نصائح بخلفية تكوين أكاديمي وتجارب عملية، ولا يلتزمون الحد الأدنى من الأخلاق، وليست لهم أي قيمة مضافة داخل المجتمع، سوى قدرتهم الخارقة على نشر التفاهة وارتكاب جرائم السب والقذف وتقديم مواد إباحية على المباشر يشترك فيها أفراد الأسرة للأسف، وممارسة الابتزاز والتشهير، والتنافس في هدم القيم والإساءة إلى الأسرة والمجتمع المغربي، لتحقيق هدف الشهرة الزائفة والمال.
فقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب تعج بمنتجي المحتوى الساقط، وسط استياء وتذمر شريحة واسعة من المغاربة، والترويج للانحلال الأخلاقي من قبل أشخاص فيهم الشاب والمسن الذي لا يحترم شيبه، كما أن جرائم الخوض في أعراض الناس أصبحت رياضة يومية يتباهى بها البعض على حساب الأخلاق والقانون والمجتمع.
لقد وصلنا إلى حد تباهي نجوم الابتزاز والتشهير ونشر الخلاعة والتحريض على الفساد بممارسات يعاقب عليها القانون، وكل ذلك تريد جهات تمريره تحت غطاء «حرية التعبير»، أو «الضحك الباسل»، في حين تبقى الأهداف الخفية ضرب القيم التي تشكل صمام أمان المجتمع المغربي، على رأسها الأسرة كنواة صلبة تقاوم وسط أمواج فوضى النشر وسوء استعمال المنصات الاجتماعية.
إن ما يُنشر اليوم من محتويات خادشة للحياء، وتحريض مباشر على الفساد والمواد التي من شأنها الإضرار بالأطفال الذين يمثلون مستقبل الوطن، لا يُهدد فقط تماسك الأسرة المغربية، بل يزرع الخوف داخل النفوس، ويدفع بالمجتمع نحو مستنقع الانحطاط، حيث يهدف البعض بخبث إلى تحويل التفاهة إلى صناعة، والابتزاز إلى تجارة، والتطبيع مع جرائم التشهير باعتبارها وسيلة سهلة لجني الأرباح وتحقيق الثروة.
إن تقنين المحتويات الرقمية لا يمس بحرية التعبير ولا بانفتاح المغرب على محيطه، لأننا أمام جرائم خطيرة وفتح الباب لكل من هب ودب والمرضى بعقد نفسية، لنفث سمومهم والترويج للفساد وخدمة الأجندات المجهولة، عبر المنصات الاجتماعية المتناسلة كالفطر، وهو الشيء الذي يجب أن يتوقف اليوم قبل غد، ويتحمل الجميع المسؤولية في ذلك، لأننا بالفعل أمام طوفان تفاهة يقوم بهدم القيم ويستهدف تماسك المجتمع ويتعارض كليا مع الأخلاق التي تربى عليها المغاربة، وهذه الفئة القليلة جدا التي كانت تعيش مثل فيروسات نائمة، أصبحت بفعل فوضى المنصات الاجتماعية تتزعم المشهد البئيس وتقدم صورة خاطئة تماما عن المجتمع المغربي.
وختاما فإن التحركات الأمنية والقضائية ضد صناع التفاهة هي رسالة واضحة مفادها أن الفوضى الرقمية يجب أن تتوقف، لأنها ليست قدرا محتوما يجب القبول والتسليم به، ومناعة المجتمع تبدأ من مساهمة الكل في تطهير الفضاء الرقمي من الشوائب، وصون كرامة المواطنين والهيئات والمسؤولين وهيبة المؤسسات، وحماية جيل المستقبل من كافة أسباب التفكك الأسري والانحراف، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا بردع المخالفين بالقانون، وتجفيف منابع العبث والتفاهة واللعب بالنار.





