حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

نظرية المقامرة

 

حسن البصري

 

في مقهى مجاور لسينما السعادة بالحي المحمدي، تابعت أطوار مباراة الجزائر والسودان برسم منافسات كأس إفريقيا للاعبين المحليين. في هذا المقهى التاريخي، الذي جمع في زمن مضى نجوم الظاهرة الغيوانية ونجوم الظاهرة الكروية «الطاس»، عشت أجواء مباراة تتبعها رواد المقهى باهتمام كبير، رغم أن منتخبنا غير معني بنتيجتها ولا يهمه أمرها.

وكأنك في مقهى جورج مشرقي بأم درمان، كل رواد الفضاء يناصرون المنتخب السوداني، حتى اعتقدت أنني عابر في بلد آخر وحي آخر غير الحي المحمدي.

كل رواد المقهى أعلنوا مناصرتهم للفريق السوداني نكاية في المنتخب الجزائري، ومع كل هجوم لمنتخب صقور الجديان، وهذا هو اللقب الذي التصق بالفريق السوداني، تتحول المقهى إلى قطعة مستقطعة من ملعب الخرطوم الدولي.

انتهت المباراة بفوز المنتخب السوداني، فانبرى المحللون والصحافيون الجزائريون لنصرة فريقهم المهزوم أداء ونتيجة، واستدرجوا متابعيهم نحو نظرية المؤامرة ووزعوا عليهم أقراصا مسكنة وأوهموهم أن للمغرب ورئيس جامعته يدا في الإقصاء الجزائري.

في الندوة الصحافية شكر مدرب المنتخب الجزائري لاعبيه على «أدائهم الجيد»، وقال إن منتخبه تفوق بدنيا وسيطر ميدانيا على السودانيين، فقط كان ينقصه الانتصار.

أما أحد الضالعين في التحليل الرياضي، فقال إن لقجع يتابع مسيرة المنتخب الجزائري، و«يسعى لخلق فوضى في اتحاد الكرة الجزائري قبل نهائيات كأس أمم إفريقيا، من شأنها أن تعبث بتركيز الجزائريين على «الكان»».

يبدو أن المحلل، الذي قضى حياته نزيلا في كرسي البدلاء لفريق جزائري رمى به القدر في بطولة المنسيين، يجيد العزف على وتر يحرك مشاعر الجمهور الجزائري، ويجعله يلتفت إلى المغرب كلما خسر منتخبه سواء في زنجيبار أو إسلام أباد..

الفتنة نائمة واستديوهات التحليل الكروي توقظها، وحين تصحو تنشط منصات التواصل الاجتماعي وتبيع سلعة الإثارة لمن يعشق مشاهدة المقاطع المثيرة قبل الحذف.

طبعا يرد جيش المحللين المغاربة، ابتغاء الإثارة طبعا، ويقدمون صورا لا علاقة لها بمباراة زنجبار، ويبحثون في الأرشيف عن تصريح منفلت لرئيس اتحاد جزائري للعبة، لا يهم إن سقط التصريح بالتقادم أو لم يسقط.

من هنا أضحت المؤامرة مصدر تكسب في بلد المليون «عنيد»، وعند كل نكبة تولد مؤامرة سرعان ما تجد من يصدقها ويؤمن بها ويروجها بتحريض من خاصية «بارطاجي ولا تتركها تتوقف عندك».

قال مدرب الجزائر إن كأس إفريقيا للمحليين مجرد «بروفة» لكأس العرب التي تراهن عليها الجزائر لبلوغ الريادة العربية. وقال أتباعه إن الخسارة بضربات الترجيح ليست هزيمة، فصدقوه لكنهم شاهدوه وهو يحزم حقائبه عائدا إلى الجزائر مكسور الوجدان.

الشعب الجزائري اليوم أذكى بكثير من محللي شأنه الكروي والسياسي، أذكى من حكامه، ويمتلك من الأدوات السياسية والرياضية ما هو أقوى بكثير من عنفوان السلطة وجبروتها، وأقوى من مروجي نظرية المؤامرة التي لن تنفعها في نشر خداع آيل للسقوط كما سقط منتخبها.

السودان التي هزمت الجزائر، ملاعبها مغلقة وكرتها «مفشوشة» وحكامها ومدربوها ولاعبوها في إجازة طويلة غير مدفوعة الأجر، والهلال والمريخ قطبا الكرة السودانية يعيشان الاغتراب بين موريتانيا وأم درمان.

السودان، بلد المليون ميل مربع، لا يجد ملاعب بدرجة عالية من الأمن والأمان، لذا لجأ لاعبوه إلى ملاعب موريتانيا ونزلوا أهلا وسهلا في ضيافة بلد المليون شاعر.

السودان، الذي هزم الجزائر، لا يعيش أجواء بطولة منتظمة الإيقاع، وأنصار الفرق الرياضية أصبحوا مناصرين للكتائب، وصحافة الكرة اختارت المغادرة الطوعية.

المؤامرة كالخمر لعن الله شاربها وساقيها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وبائعها ومشتريها، وآكل ثمنها.

 

 

 

 

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى