حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرثقافة وفنفسحة الصيف

 لويس براي.. مخترع أبجدية المكفوفين

 تلك الاختراعات التي نحيا بها

لم يكن الطفل الصغير، لويس براي Louis Braille، يعتقد وهو يتعرض لأسوأ حادثة في حياته أنه سيفقد بصره، وأنه سيكون في الوقت نفسه مبتكرا للأبجدية، التي ستمكن المكفوفين عبر العالم من القراءة والكتابة. لم يكن لويس سوى قروي من قرى ضواحي باريس، ولد عام 1809 في أسرة متعلمة بسيطة تهوى الموسيقى وحب القراءة والمطالعة، كان أبوه يحترف صناعة المصنوعات الجلدية كالسروج والحقائب وغيرهما.

كان من عادة لويس الصغير اللعب بأدوات ورشة والده، وبدون قصد أصاب عينه الأولى، وبسبب عدم معالجتها كما ينبغي انتشر التهابها إلى العين الثانية، مما عجل بفقدانه للبصر تماما. رغم ذلك أدخل إلى مدرسة القرية، فأظهر نبوغا غير عادي، خاصة في الرياضيات والعلوم، متجاوزا إعاقته ما لفت إليه الأنظار، ليحصل على منحة للدراسة في المعهد الملكي للشباب المكفوفين في باريس. هذا المعهد من إنشاء فالنتان هاوي Valentin Haüy، وهو فاعل خير ابتكر نظاما يعتمد على نقش الحروف اللاتينية على ورق مقوى، بحيث يستطيع المكفوفون من قراءة النص المكتوب وفهمه. لكن هذه الطريقة فوق كونها بطيئة ومملة، كانت مكلفة جدا وغير عملية بالمرة. لذلك كانت مكتبة المعهد محدودة جدا، وبالتالي لم تكن هذه الطريقة كفيلة بطبع مئات أو آلاف الكتب للعميان.

 

 فكرة أبجدية خاصة بالمكفوفين

ظل لويس براي يفكر في حل لهذه المعضلة، خصوصا لما كلف بالتدريس في المعهد، وكان دائما يعتبر مسألة القراءة والكتابة لدى المكفوفين فكا للحصار الشديد الذي يعانون منه. سمع بالصدفة بأحد المقاهي عن ضابط في الجيش الفرنسي ابتكر نظاما مشفرا يمكن الجنود من التخاطب في ما بينهم في جنح الظلام، دون الحاجة إلى الكلام باعتماد ورق سميك تبرز فيه أشكال من 12 نقطة، لكل شكل منها دلالة معينة. في هذه اللحظة بالذات كان لويس براي قد وضع في ذهنه الأسس الأولى للأبجدية التي ستسمى باسمه.

سعى لويس إلى الاتصال بهذا الضابط الفرنسي (Charles Barbier) الذي زار المعهد وعرض طريقته لعلها تساعد المكفوفين، لكنها أبانت عن محدوديتها وتعقيدها الشديد، ما حفز براي على تطوير فكرته الأساسية، انطلاقا من ست نقاط فقط تتخذ أشكالا تجسد الحروف وتمكن الكفيف عن طريق اللمس من قراءتها والكتابة بها عن طريق مثقاب، مثل الذي كان السبب في فقدانه لبصره. جرب براي ابتكاره في المعهد وصادف نجاحا مبهرا، ومكن الطلاب المكفوفين نظرا إلى سهولته الكبيرة من سرعة القراءة والكتابة.

اختلفت الروايات كثيرا حول علاقة الضابط الفرنسي شارل باربيي بلويس براي واختراعه لأبجدية العميان، وحقيقة زيارته إلى معهد المكفوفين، أو كونه بكل بساطة قد سمع عن هذه الطريقة من قراءة صديق له لمقال في صحيفة محلية يشرح تفاصيلها. لكن في كل الأحوال ستبقى فكرة ألهمت كثيرا لويس براي في اختراعه لطريقة القراءة والكتابة الخاصة بالمكفوفين.

تميز نظام لويس براي بسهولته اعتمادا على ست نقاط فقط مصطفة في عمودين بإمكانها التعبير عن العديد من الأحرف وعلامات الترقيم وغيرها من الرموز. لم تتوقف جهود لويس عند هذا الحد فقد ابتكر نظاما للكتابة الموسيقية وأخر للرموز الرياضية والجغرافية وباقي العلوم. لكنه واجه مقاومة كبيرة من الجميع بمن فيهم من زملائه وإدارة المعهد، لكن ذلك لم يثنه عن العمل فوضع كتابا بأبجديته المبتكرة لترجمة «الفردوس المفقود» للشاعر الإنجليزي الأعمى جون ميلتون، واستمر في تعليم تلاميذته المكفوفين، رغم مرضه الشديد الذي أقعده في الفراش.

 

لويس براي.. حياتي لم تذهب سدى

في أحد الأيام كانت إحدى تلميذات براي الكفيفات تعزف على «البيانو» في أحد أكبر مسارح باريس، ولما انتهت صفق لها الحاضرون بإعجاب، فاقتربت من الجمهور وقالت: «لست أنا التي أستحق هذا التقدير، بل الرجل الذي علمني عن طريق اكتشافه الخارق، وهو الآن يرقد في فراش المرض وحيدا».

وبمجرد ذيوع هذا الخبر قادت الصحافة الفرنسية حملة مساندة للويس براي تدعو إلى تبني طريقته في تدريس المكفوفين، حتى انتهت إلى اعتراف الحكومة الفرنسية بابتكاره، فسارع محبوه لإبلاغه بهذا الخبر السعيد، فقال لهم: «بكيت في حياتي ثلاث مرات، أولاها حين فقدت بصري، والثانية عند اكتشافي طريقة حروف الكتابة، وهذه المرة الثالثة. هذا يعني أن حياتي لم تذهب سدى».

توفي لويس براي متأثرا بمرض السل عام 1852 عن عمر لم يتجاوز 43 سنة. بعد وفاته تم نسيان اختراع لويس براي، ولم يعد المعهد الملكي للمكفوفين في باريس يتخذه أداة أساسية في الدراسة والتعليم. بعد عامين من وفاته عاد المعهد إلى اعتماده، بتدخل من زملائه وبعض المكفوفين من تلامذته، الذين أصبحوا أساتذة في المعهد مدركين أهميته والحاجة الماسة إليه، وما سيمكنه من فتح آفاق أمام المكفوفين للتعلم والعمل والاندماج في مجتمعاتهم مثل المبصرين.

لكن بدا انتشار هذا الاختراع بطيئا على المستوى العالمي، ويتطلب وقتا كبيرا ليترسخ وجوده في المدارس والمعاهد المهتمة بتعليم المكفوفين، حتى سنة 1932 عندما اجتمع ممثلو مدارس المكفوفين في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وتم الاتفاق خلال هذا اللقاء على نظام يعرف باسم لغة براي الإنجليزية القياسية، ما فتح الباب لهذا الابتكار للانتشار الواسع عبر العالم وفي كل اللغات.

أحدثت طريقة براي ثورة في تعليم المكفوفين، حيث وفرت لهم وسيلة للوصول إلى المعلومات والتعليم مثل أي شخص آخر. قبل هذا الاختراع، كانت الخيارات التعليمية المتاحة محدودة للغاية للمكفوفين. بفضل اختراع براي، أصبح من الممكن للمكفوفين تعلم القراءة والكتابة، مما فتح أمامهم فرصا جديدة للتعليم والعمل. كما ساهمت في تعزيز استقلالية المكفوفين، حيث يمكنهم الآن قراءة الكتب والمجلات، مما ساعدهم على المشاركة والاندماج الكامل في المجتمع.

 

نافذة:

 

أحدثت طريقة براي ثورة في تعليم المكفوفين حيث وفرت لهم وسيلة للوصول إلى المعلومات والتعليم مثل أي شخص آخر

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى