شوف تشوف

الرأي

نواقض الاقتراع

عندما غادر بوجمعة مقر الاقتراع بمدرسة ابتدائية في حي سباتة بالبيضاء، تحلق حوله نساء ورجال وأطفال ومخبرون، يسألونه عن إفرازات الصناديق، والمرشح الأكثر حصولا على أصوات الناخبين. التقط الرجل أنفاسه، وقال: «المشكلة التي عانينا منها كلجنة فرز الأصوات هي كثرة الأوراق الملغاة».
كشف الرجل عن أسرار الفرز، وأضاف أن كثيرا من الناخبين سخروا من المرشحين، حين كتبوا على ورقة التصويت عبارات مخلة بالحياء الانتخابي، وشرع في سرد نماذج الكتابات التي لا تختلف عما يكتب على الحيطان الرطبة في الأحياء الشعبية وعلى أبواب مراحيض المقاهي والثانويات.
غادر الرجل المكان دون أن يلبي فضول الناخبين ووكلاء أعمال المرشحين و«المقدمين»، قبل أن يطلب عامل نظافة مياوم من الحشد الابتعاد عن المكان حتى يتسنى له كنس أنقاض الحرب الانتخابية. قال الحارس الليلي إن حزب النظافة يستحق حصة من المقاعد الجماعية، لأنه لا يقدم وعودا ولا يملك برنامجا انتخابيا، ولا يتعهد بالأقوال لكنه يقدم أفعالا.
في هذا المكتب الانتخابي فاق عدد الأوراق الملغاة ربع الأصوات المعبر عنها، لكن غالبية الأوراق كانت تتضمن كتابات مهينة للمرشحين أو تشتمل على اسم وتوقيع المصوت، إضافة لأوراق خرج فيها القلم عن طوع صاحبه.
تعالوا نقرأ أبرز الكتابات الساخرة التي واجه بها الناخبون مرشحيهم، فقد كان نصيب رئيس الوداد البيضاوي سعيد الناصري حصة الأسد، لأنه ترشح في منطقة البرنوصي ذات الأغلبية الرجاوية، حيث كتب عدد من الرجاويين سؤالا استغرب له أعضاء لجنة الاقتراع في أكثر من مكتب انتخابي، حين استغل رجاويون الفرصة لطرح سؤال على الورق مباشرة يقول: «علاش الكار ما جاش من فاس»؟
لم يفهم رؤساء لجان الفرز سر السؤال وعلاقة «الكار» بالاقتراع، قبل أن يرشدهم العارفون بخبايا الكرة لأصل الحكاية، وأسباب النزول. بل إن أحد محبي الوداد صوت على الأصالة ووكيل لائحتها الجهوية الناصري، وقبل أن يغادر المعزل كتب: «ديما وداد» فبطل التصويت.
وفوجئ أعضاء مكتب انتخابي في يعقوب المنصور بالرباط، بتردد اسم علال القادوس، حيث كتب أكثر من ناخب عبارة: «علال الأجدر برئاسة مجلس العاصمة»، والحال أن بعض المرشحين حاولوا استقطابه في الحملة لكن شروطه كانت تعجيزية.
أغلب الأوراق الملغاة حملت عبارة «مكتحشموش»، وهي طريقة جديدة للتصويت بالمقاطعة، أو بتعبير أصح المقاطعة عبر التصويت، فيما اختار الخوارج عن القواعد الانتخابية رسومات منها ما يخدش الحياء ومنها من ينكل بالحياء. أما أحد المتعصبين للريال فكتب: «نريد رونالدو رئيسا للجهة». وعلق آخر على رمز مرشح له «باع» وشراء طويل في الانتخابات من زمن أوفقير، موجها كلامه لأقدم المرشحين: «أنت من فصيلة قديمة مكانك الحقيقي في البرلمان الإغريقي».
تحتاج هذه الكتابات لدراسة سوسيولوجية معمقة، حتى لا تمر مرور اللئام، لأن رد فعل المواطن له مبرراته، لكن لا أحد يهتم بالأوراق الملغاة إذ يعتبرها مجرد نفايات انتخابية، رغم أن القانون يؤكد على ضرورة «وضع أوراق التصويت الملغاة والمتنازع فيها داخل أغلفة مستقلة مختومة وموقع عليها من طرف رئيس وأعضاء المكتب، وتضاف إلى المحضر». لكن لا أحد يهتم بها لوجود أخوات كن في مقرات الفرز المركزية.
ولا أحد يريد فهم الأبعاد النفسية لتعاليق ناخبين متمردين على ضوابط التصويت، ولا وجود لمراقب التفت لمخلفات انتخابات تسمى تجاوزا «استحقاقات»، لأن فئة واسعة من الطبقة السياسية لا يهمها الجائع إلا إذا كان ناخبا ولا يهمها العاري إلا إذا كانت فتاة، لذا كان من الطبيعي أن يضع الناس برامج الأحزاب خلف ظهورهم ويهتمون بالرموز الانتخابية.
إذا وضعنا الأوراق الملغاة في الحسبان فإننا سنقف عند رقم صادم يصل إلى المليون والنصف، أي كثلة انتخابية، شبابية في الغالب، ناقمة على انتخابات غريبة، تشرف عليها حكومة معنية بالاقتراع، في حياد مخزني، وحين تتعالى أصوات الاحتجاج يتحول القهر الانتخابي إلى قدر، فيحيلك الضالعون في السياسة، على قولة أبي القاسم الشابي:
«إذا الشعب يوما أراد الحياة// فلا بد أن يستجيب «الكدر»».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى