الرئيسيةخاص

هكذا سيصبح المغرب الحارس المستقبلي لإمدادات الغذاء العالمية

رفع إنتاجه للأسمدة وعزز دوره الاستراتيجي في الأمن الغذائي بإفريقيا

لمياء جباري

وفقا لتقرير لمعهد الشرق الأوسط، فإن طموح المغرب في زيادة طاقته الإنتاجية للأسمدة يغير المعادلة الاستراتيجية العالمية، ويحبط قدرة موسكو على عسكرة الارتباط بين الغذاء والطاقة. ولأن أوروبا تحارب على جبهتين مع روسيا في حرب استنزاف جيو- اقتصادية، فإن عزم المغرب زيادة إنتاج الأسمدة بنحو يقارب 70 في المائة، يُغير المعادلة الاستراتيجية بالتصدي إلى قدرة موسكو على استخدام حلقة الوصل بين الغذاء والطاقة سلاحا ضد الآخرين.

تعتمد مرونة النظم الغذائية في المقام الأول على الأسمدة، التي تشكل أساس ترابط «الغذاء والطاقة». هذا ما أشار إليه تقرير نشره في 13 يونيو الجاري مركز الأبحاث الأمريكي «معهد الشرق الأوسط». روسيا هي أكبر مصدر في العالم لهذه المواد، وهي المسؤولة عن زيادة المحاصيل الزراعية.

أزمة غذاء عالمية
تم تضخيم مكانة روسيا المتميزة من خلال وضعها كثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، وهو مكون رئيسي لتصنيع الأسمدة القائمة على النيتروجين. ويشكل الغاز الطبيعي 80 في المائة من التكلفة المتغيرة لإنتاج هذه الأسمدة، بحسب التقرير. في حين أن تضخم أسعار الغذاء كان محسوسا بالفعل في جميع أنحاء العالم طوال عام 2021، فقد تفاقم بسبب الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت في 24 فبراير 2022؛ وأدى هذا الصراع بشكل ملحوظ إلى ارتفاع أسعار الطاقة وبعض المواد الخام. في الربع الثالث من عام 2021، بلغ سعر القمح اللين المستخدم في صناعة الخبز 271 دولارا للطن، بنمو نسبته 22 في المائة مقارنة بالعام السابق. في 3 مارس 2022، بعد أسبوع من غزو روسيا لأوكرانيا، بلغ سعر الطن ما يقرب من 389 دولارا، وفقا لمعهد الشرق الأوسط.
ويقدر مركز الأبحاث أنه «على الرغم من أن روسيا ليست بالضرورة أصل أزمة الغذاء العالمية، إلا أنها ألقت بالزيت على النار».

في الواقع، أدت الحرب بين روسيا وأوكرانيا إلى ارتفاع الأسعار إلى أبعد من ذلك، مما جعل الأسمدة «أزمة وجودية» للأمن الغذائي العالمي. ناهيك عن أن أكبر مصدرين عالميين للأسمدة، وهما روسيا والصين، اللتان تمثلان معا 28.4 في المائة من الصادرات العالمية، قد فرضتا أيضا قيودا على تصدير هذه المواد. بعد أسبوعين من غزو روسيا لأوكرانيا، خفضت شركة الأسمدة الأوروبية العملاقة «يارا» إنتاج الأمونيا بأكثر من النصف (مركب آخر ضروري لإنتاج الأسمدة القائمة على النيتروجين) في مصانعها الإيطالية والفرنسية، بسبب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي.
المنتجون الأوروبيون الآخرون أغلقوا أبوابهم تماما، كما يشير مركز الأبحاث. إذا ترجمت أزمة توريد الأسمدة إلى ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية على رفوف السوبر ماركت الأوروبية في خريف عام 2022، فقد يكون نقص الإمدادات كارثيا على إفريقيا (مجاعة، هجرات جماعية …)، كما يحذر معهد الشرق الأوسط.

المغرب.. بنك مركزي لسوق الأسمدة العالمي
رابع مصدر للأسمدة في العالم، المغرب، من خلال المجمع الشريف للفوسفاط، سيزيد إنتاج هذه المواد بنسبة 10 في المائة للعام الحالي. وبالتالي سيضع 1.2 مليون طن إضافية في السوق العالمية، بحلول نهاية عام 2022. كما يخطط المجمع الشريف للفوسفاط لزيادة طاقته الإنتاجية، بين عامي 2023 و2026، إلى 7 ملايين طن إضافية، أي 58 في المائة من مستويات الإنتاج الحالية.
هذه الزيادة، من قبل «OCP»، في مستويات إنتاج الأسمدة، ستساعد في مواجهة استخدام روسيا للأسمدة ونقص الغذاء للأغراض العسكرية، كما يتوقع معهد الشرق الأوسط. من خلال هذا المشروع، ستضطلع المملكة بدور مماثل تقريبا لدور المملكة العربية السعودية، في سوق النفط العالمية. ويشير التقرير إلى أن المغرب، على هذا النحو، يمكن أن يصبح البنك المركزي لسوق الأسمدة العالمي وحارس إمدادات الغذاء العالمية. من خلال استثمار ما مجموعه 6.3 مليارات دولار لبناء مصانع الأسمدة في إفريقيا جنوب الصحراء، وتحديدا في نيجيريا وإثيوبيا، أظهر المغرب بصيرة استراتيجية ملحوظة. يخلص معهد الشرق الأوسط إلى أنه مع التأكيد الجغرافي الاقتصادي للترابط وشبه المساند على الأهمية الجيوسياسية لإفريقيا، فمن المرجح أن تتكثف المشاركة الاستراتيجية لأوروبا والولايات المتحدة مع المغرب.

الدور المغربي في إفريقيا جنوب الصحراء
يشير دور المغرب في التصدي لمواجهة استخدام أزمة الغذاء سلاحا إلى دور المملكة المغربية الاستراتيجي والمتنامي في ما يتعلق بالأمن الغذائي لدول إفريقيا جنوب الصحراء. ووفق ما أشارت إليه دراسة معهد الشرق الأوسط حول الوصول الزراعي للمغرب في إفريقيا، افتتح المجمع الشريف للفوسفاط – منذ عام 2016- فروعا له داخل 12 دولة إفريقية، وأنشأت مرافق مزج محلية لفحص الأسمدة بصورة محددة لكل تربة إفريقية، وتمكين المزارعين من ذوي الحيازات الصغيرة من مشاركة أفضل وأكثر ربحية ضمن سلاسل القيمة الزراعية. وأدى ذلك إلى قفزة محصول الدخن بالسينغال بنحو 63 في المائة، ومحصول الذرة في نيجيريا بنحو 48 في المائة، إلى جانب نتائج مقاربة في غانا ودول أخرى. دفع انخراط المجمع في إثيوبيا نحو زيادة قدرها 37 في المائة بمحاصيل القمح والذرة والتيف (يستخدم في إنتاج الطحين). ويبني «OCP» محطات أسمدة بإفريقيا جنوب الصحراء، وهي مشروعات مشتركة مع الأطراف المعنية المحلية. وفي نيجيريا التي تضم أكبر احتياطيات القارة من الغاز الطبيعي، يبني المجمع الشريف للفوسفاط والشركاء النيجيريون محطة للأمونيا والأسمدة بتكلفة 1.4 مليار دولار، بغرض زيادة مقدار الأسمدة المستخدمة من قبل المزارعين النيجيريين إلى 3 أضعاف، خلال 5 سنوات. وتستثمر «OCP» نحو 1.3 مليار دولار لبناء مجمع صناعي للأسمدة في غانا، بالاستفادة من الغاز الطبيعي الغاني والخدمات المقدمة في أسواق غرب إفريقيا. في ما يتعلق بأسواق شرق إفريقيا، يبني «OCP» في إثيوبيا ثاني أكبر المجمعات الإفريقية لإنتاج الأسمدة، وهو مشروع مشترك يستخدم موارد الغاز المحلية، ويتوقع المجمع الشريف للفوسفاط أن تزود مرحلة التطوير الأولى (التي تبلغ تكلفتها 2.4 مليار دولار) سوق الأسمدة الإثيوبية، بحلول عام 2023. وخلص التقرير إلى أنه باستثمار إجمالي بلغ 6.3 مليارات دولار في بناء محطات أسمدة بإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، أظهر المغرب استشرافا استراتيجيا ملحوظا.
وللمساعدة في التصدي للتهديد الروسي واستخدامه الصلة بين الغذاء والطاقة سلاحا، تبرهن الرباط على أهميتها المتنامية لأوروبا وأمريكا، بصفتها شريكا جيوسياسيا في دول إفريقيا جنوب الصحراء. وفي ظل الاقتصاديات الجغرافية للترابط والتقارب التي تجلب المزيد من التركيز للأهمية الجيوسياسية لإفريقيا، يُحتمل أن تزداد كثافة المشاركة الاستراتيجية لأوروبا وأمريكا مع المغرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى