شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةمجتمع

وداعا ريان

كان قدر الله أقوى ومشيئته نافذة، وانتقل الطفل ريان، بعد خمسة أيام من الصراع بين الحياة والموت، إلى الخالق البارئ شهيدا محتسبا، بعدما سطرت عملية إنقاذه بلا ملل ولا تهاون ملحمة كونية من التضامن والتآزر الإنساني.

كل المغاربة والبشرية بكوا بحرقة ليلة فقدانه لأنهم كانوا يمنون النفس بخروج ريان من قعر البئر على قيد الحياة، لكن ما وقع فيه حكمة لا نعلمها، وتدبير خفي لا تدركه أفهامنا، فقد أردنا أمرًا وقضى الله غيره، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

والحقيقة التي ستبقى راسخة في أذهان كل المغاربة أن السلطات العمومية بذلت جهودا مضنية منذ الأربعاء للتمكن من إخراج ريان حيا ولم تتقاعس في عملية الإنقاذ ولو لثانية واحدة، وأن سواعد فرق الإغاثة حركت جبلا بأكمله في زمن قياسي من أجل إنقاذ حياة الطفل الذي حبس العالم أنفاسَه أمام هول المشهد، بل إن الملك شخصيا، بإنسانيته وأبويته المعهودتين، كان يتابع عن كثب العملية وتطورات هذا الحادث المأساوي، حيث أصدر تعليماته لكل السلطات المعنية قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة، وبذل أقصى الجهود لإنقاذ حياة الطفل الفقيد، قبل أن يبادر إلى اتصال شخصي بوالدي الفقيد وإسباغ بالغ مواساته وعطفه عليهما.

ومع الإيمان بالقضاء والقدر وأن الموت مكتوب مسبقا على صحيفة الطفل ريان مهما بذلت من وسائل إنقاذه، لكن ما حدث هو درس بل دروس بالغة يجب أن نستفيد منها جميعا، ولعل أبرزها قوة هذا الطفل رغم صغر سنه ومقاومته من أجل الحياة رغم ما عاشه من خوف ورعب وعزلة في تلك البئر.

وبلا شك سيبقى ريان درسا لنا جميعا في معنى التطوع الذي جسده المواطن البسيط «با علي الصحراوي» الذي ظل يحفر بأظافره أوتاد جبل دون أن يعرف النوم طريقا لجفنه طيلة ليالي عملية الإنقاذ، سائق آلة الحفر الذي رفض الاستراحة بعد عشرين ساعة من العمل وقال بعفويته التي أذابت قلوب الناس «مانرتاح حتى نخرج ريان حي».

واقعة الطفل ريان أظهرت مشاهد إنسانية عكست كرم الإنسان القروي المغربي وحسه التضامني وتشاركه أبسط ما يمتلكه مع الجميع، فمن عمق المأساة والحزن ظهرت مبادرات تضامنية وحس إنساني عالٍ لدى سكان المنطقة، وفتح سكان قرية أجران بيوتهم لإيواء الصحافيين المرابطين في عين المكان، وتطوعت نساء القرية لإعداد الطعام وتقديمه لعناصر الإنقاذ الذين ظلوا يسابقون الزمن لإخراج الطفل ريان من جوف البئر.

لكن الدرس الذي ينبغي أن يتحول إلى منهج في التسيير والتدبير هو كيف يمكن أن تتحرك وتستنفر كل مؤسسات الدولة من أجل أصغر مواطن مهما كانت النتائج، وهذا ما كنا في حاجة ماسة إليه، وينبغي ألا يظل مجرد لحظة مناسباتية عابرة. لقد وقف العالم بأكمله شاهدا على إرادة دولة في إنقاذ طفلها وفعلت المستحيل لإدراك ذلك، واستنفرت المهندسين والطبوغرافيين والتقنيين في الجيولوجيا والوقاية المدنية والدرك الملكي ورجال السلطة والأطباء والطائرات والإعلام العمومي ومختلف أجهزة الحفر الحديثة، صحيح أنها لم تنجح في إخراج ريان على قيد الحياة لكنها نجحت في كسب احترام الجميع داخل وخارج المغرب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى