وفاة بومدين حالت دون لقاء صلح كان مبرمجا بينه والملك الحسن الثاني في «بروكسيل»

يونس جنوحي
يواصل السفير محمد التازي تسليط الضوء على الزوايا المظلمة في أحاديث الرؤساء العرب أعضاء «الصمود والتصدي»، وهم الرئيس السوري حافظ الأسد، والرئيس الجزائري هواري بومدين، ثم العقيد القذافي الذي جاء بدوره من ليبيا إلى دمشق ليكتمل «مُثلث» التآمر ضد المغرب في أكتوبر 1978. ويكشف التازي في أوراقه الشخصية، من خلال مضامين الاجتماع، أن حافظ الأسد لم يبتلع الطعم الذي وضعه هواري بومدين أمامه، وفضل الإبقاء على «شعرة معاوية» مع الزعماء العرب، ومن بينهم الملك الراحل الحسن الثاني بطبيعة الحال.
لكن أقوى ما سجله السفير محمد التازي ما جاء بعد قرابة شهرين على الاجتماع – المؤامرة. فرغم أن بومدين كرس حياته الرئاسية، منذ منتصف الستينيات إلى حدود دجنبر 1978، تاريخ وفاته، لمهاجمة المغرب.. إلا أنه تواصل مع الملك الحسن الثاني، واتفق الطرفان على عقد اجتماع للصلح، ووقع الاختيار على مدينة «بروكسيل» البلجيكية.. لكن اللقاء لم يتم نهائيا، لأن بومدين رحل عن الحياة.
يحكي التازي عن فشل اجتماع أكتوبر للتآمر على المغرب، وعن الصلح بين بومدين والحسن الثاني، مستعيدا ما جاء على لسان حافظ الأسد، في اجتماع دمشق، أثناء رده على بومدين:
«الرئيس حافظ الأسد:
-إني أتساءل هل من مصلحتنا أن نخلق معارك جانبية مع الأنظمة العربية؟ إني أرى أن يكون هدفنا هو امتصاص جزء مهم من ثرواتها. أما إعطاء دفع جديد لعلاقاتنا مع الاتحاد السوفياتي فإنه من جهة غير مضمون العواقب حين تتغير القيادة السوفياتية، ومن جهة أخرى فليس من مصلحتنا هدم جميع الجسور مع الولايات المتحدة الأمريكية، ومع أصدقائها في المنطقة. وفي نطاق الصراحة التي نتحدث بها، فإن سوريا وحدها تواجه خطرا محققا، أما الجزائر وليبيا واليمن فكلها تواجه أخطارا محتملة وغير مؤكدة، ولا حتمية لها، وقد لا تتحقق، بل قد تجد لها حلولا مع الوقت. ولكن سوريا بقيت وحدها في مواجهة إسرائيل، وأنتم تعرفون القوة العسكرية الإسرائيلية، وبدون دعمكم، وبدون مساندتكم، لا نستطيع في القطر السوري أن نواجه كل هذه الضغوط.
ومرة أخرى تفشل الجزائر في تأليب أصدقائها ضد المغرب، حتى ولو اختلفت اتجاهاتنا السياسية معهم، فهم يعرفون أن المغرب لا يتآمر عيلهم، وإنما هم الذين يتآمرون على الاستقرار في المنطقة. ولم يجدوا مناصا من قبول الحوار المباشر للخروج من عزلتهم، فاقترح الرئيس هواري بومدين في نهاية عام 1978، قبل تفاقم مرضه، عقد اجتماع مع جلالة المغفور له وتم الاتفاق أن يتم الاجتماع في بروكسيل، لكن الأجل المحتوم وافى الرئيس الجزائري قبل أن يتم الاجتماع، فتغمده الله برحمته وغفرانه.
وتولى رئاسة الدولة أحد كبار قادة الجيش الجزائري، الشاذلي بن جديد. وبقي السيد بوتفليقة وزيرا للخارجية، ما أكد أن سياسة الجزائر في المنطقة ستستمر في الإبقاء على التوتر فيها، فلم تمض إلا فترة زمنية قصيرة على تولي الرئيس بنجديد مهام الرئاسة حتى استأنف العدوان المسلح على المدن المغربية، خارج منطقة الصحراء، ففي يوم 28 يناير 1979 تعرضت مدينة طانطان لهجوم مباغت سافر، أودى بحياة مواطنين أبرياء، عزل، وترك وراءه خسائر مادية جسيمة. وكان العدوان رسالة صريحة من العهد الجديد في الجزائر بأن السياسة الجزائرية مع المغرب ستستمر كما كانت في الماضي فلا ينتظر منها تغيرا ولا تبديلا».





