شوف تشوف

الرأيشوف تشوف

ولكن لا تحبون الناصحين 1/2

ما يحدث للأمين بوخبزة، أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية في الشمال، والذي كشف عن الوجه المظلم للتنظيم الحزبي الذي يدعي الطهرانية عندما اتهم رئيس المجلس البلدي بالانتهازية وعبودية الكرسي الذي يريد العودة إليه ولو بأقذع الطرق، هو تماما ما حدث مع حسن مفتي أحد مؤسسي الحزب في القنيطرة، عندما فضح ما قال إنه جرائم غدر ارتكبها عزيز رباح رئيس المجلس البلدي.

وما حدث للرجلين معا هو ما حدث لرجل علم فاضل رحل إلى دار البقاء اسمه فريد الأنصاري، تعرض لحملة تشويه ضارية من طرف أقلام حركة التوحيد والإصلاح عندما تجرأ وأصدر كتابا عنوانه “الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب”.

وإذا كان قدر حسن مفتي أن يغادر حزب العدالة والتنمية إلى أحضان حزب آخر، وقدر الأمين بوخبزة أن يتعرض للتوقيف والتقريع من طرف القيادة العامة للحزب، فإن قدر فريد الأنصاري آنذاك كان هو الهجرة إلى تركيا لطلب العلم إلى أن وافته المنية بعد صراع مضني مع السرطان.

وأذكر أن الريسوني تصدى شخصيا عبر أعمدة جريدة التجديد للرد والتجريح في شخص فريد الأنصاري عوض مناقشة أفكار كتابه بشكل علمي وأكاديمي، فغلب الجشع السياسي لديه حس العالم فانتهى إلى الشتم والتبخيس عوض النقد والجدال.

ورغم ما كتب وقيل عن الشيخ فريد الأنصاري، يظل ذلك غير موفيه حقه، فالرجل عرف التهميش ولقي من الإقصاء ما عرف من قبل الرابطة والحزب.

الشيخ الأنصاري نموذج للمشيخة المغربية في صورة حديثة، أصلها ضارب في التاريخ وفرعها يظلل الحاضر، عالم بحر، متقد الذكاء، ناصح الفكرة، واضح العبارة، مبلغ الذكرى، نقي السريرة مستقيم في قوله وعمله لا يعرف الخداع والمراوغة ولا اتباع الهوى والمداهنة، فالأمر عنده شرع وعمل في الدنيا وجزاء في الآخرة.

للأسف الشديد فهذا العالم لم يعط حقه ولا أوتي نصيبه، بل إنه حورب ممن حوله ممن هم الآن في الحكم يتقلبون في نعمه الزائلة، وممن قالوا بالعلم وبالدين، وحللوا النفاق وسموه كياسة وأتقنوا الانصياع وسموه تلطفا ومداراة.
القارئ والمستمع العدل للأنصاري لا يأخذه شك أن الرجل آمن بالله حق الإيمان وجعل الزهد له منهجا، فهو بشهادة من عاداه لم يكسب من دنياه إلا ما بلغته أجرته ولم يسع إلى نيل مال أو جاه ولا عرف عنه ذلك، كرس حياته للتربية والتعليم وحلم أن تصير الأجيال الجديدة على علم قويم وعمل نافع، فترفع به أنفسها ووطنها.

كان ذلك حلمه ولم يكن له في السلطة بذلك أطماع، سرق عمله السفهاء وجردوه من قدره واستعانوا عليه بأشباه العلماء ممن يلبسون الرقاق ويأكلون الدقاق وينسون أن ليس لهم من الله من واق، يلوون أعناق النصوص الربانية والنبوية فحق فيهم قول الله “بل يريد الإنسان ليفجر أمامه”.
أمر بنكيران حوارييه باختيار أصحاب الشهادات على أن يكون من المراوغين والمخادعين والفارغين علميا وعقديا ممن لن يشاور نفسه مرتين إذا عرض عليه نصيب من الدنيا، وسمي هؤلاء بالجناح السياسي، وكان أحرى أن يسمى بالجناح “الانبطاحي”.

وبذلك أعطيت الأوامر بتصفية كل من في قلبه مثقال ذرة من مقاومة لهذا التيار، وكان من أبرزهم الأنصاري فتعرض للمضايقات في جامعته وتسلطوا عليه فلم يحترموا له قدرا ولم يوقروا له جانبا وسلبوه قيادته وأخذوا منه ثمرة عمله لسنوات طوال، فيمم وجهه تجاه اسطنبول فوجد فيها الترحاب والقبول.
ورفع قدره فتح الله كولن، علم تركيا المهيب وعالمها العامل المبجل، إلا أن الضربات الموجعات وشدة الإهانات من بني آوى المغاربة زادته حسرة وساقت إليه سيئ الأسقام، وهو يصارع المرض العضال كتب كتابه حيث روى حسرته وآماله وسماه “عودة الفرسان”.

وهو الكتاب الذي لم يذكره صاحب التخريجات الريسونيات ولا صاحب الفتاوى “الزنزنيات” ولا صاحب الخاويات الفزازيات، عاش في وطنه غريبا ومات عنه بعيدا، مات كمدا وحسرة. ذكره إعلام تركيا ونعاه وبكاه هناك أكبر العلماء وفي المغرب عزى فيه القلة وكادت جنازته أن تمنع من الظهور على الشاشة.

وإلى أمد غير بعيد ظل التجهيل بشخصه قائما ولا يريد أضداده ولو بعد موته لفكره ظهورا ولا لفهمه انتشارا، وفي إطار بحثي عن أثر هذا العالم الفذ وقعت على رسالة تجمع دقة المنطق وبلاغة المعنى وتركيز الفكرة وكل ما عرف به علماء المغرب الأصليون من اعتدال ووسطية حقة ورزانة وحلم ومسالمة من غير مداهنة، رسالة راهنة فيها فصل الخطاب وبيان وتبيين، وكشف للمضمر والمخبوء من تاريخ الرابطة والحزب والتحولات الداخلية فيها وما عرفت من ضرب مبطن وغدر وتصفيات ومناورات وإبعاد عن مراكز السلطة والقرار للمخلصين للدين والوطنية والمتخلقين والواعين وكل من لا يدور رأسه في اليوم مرتين.

رسالة فيها أسرار كامنة وبراهين واضحة وتنظير لما نراه وسنراه. توضح الفكرة في هؤلاء الإسلاميين من أين أتوا، ما ادعوه وما قاموا به وما هم صائرون إليه، وكيف يصنعون بمن عارضهم، ولو كان عالما علما.

ومن أجمل ما قال “لا ضير أن تنظم عملك ضمن أي تنظيم دعوي، ما دامت أصوله العقدية سليمة، ومادام منهجه الدعوي مستقيما على الكتاب والسنة، ولكن احذر أن يختلط عليك الأمر، فتدعو الناس إلى التنظيم بدل دعوتهم إلى الله، فتكون قد اتخذت التنظيم آنذاك وثنا يعبد من دون الله الواحد القهار، اجعل الله غايتك على كل حال”.
إنه لا يخشى على هذا البلد من اللادينيين ولا أشباههم، فكلهم يعرفون أنهم نشاز ولا يدعون الانتماء التاريخي للبلاد فهم أحداث والمغاربة مطلعون على ذلك.

أما هؤلاء الإسلاميون فهم بين عالم فصيح اللسان منافق ومن يريد المنصب والجاه ولا يهمه أن يطعن في أي كان ولو كان أباه. يلبسون جبة ويرسلون لحية تارة ويلبسون بذلة ويحلقون تارة، هؤلاء لا تؤمن بوائقهم ولا يسلم جارهم وإن أمسكوا حقا الزمام فسنرى العجب العجاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى