شوف تشوف

الرئيسيةثقافة وفن

يوميات مدرس في اسبويا 1

1

كريم بوعناني

نحن في بداية شهر شتنبر من السنة الثالثة بعد الألفين، في بداية العشرينات من عمري. بعد تخرجي من مركز تكوين المعلمين كان التعيين بإقليم تيزنيت.

حملت حقائبي وبعض المتاع الذي لابد منه للعيش من أواني الطبخ وسرير النوم وأغطية، وتوجهت نحو المحطة الطرقية.

بعد لحظات من الترقب، دخلت الحافلة إلى باحة المحطة وصعدت إلى مقعدي وجلست أنتظر لحظة الانطلاق، واختلطت الأحاسيس في خاطري بين الرغبة في عدم مفارقة الحضن العائلي والسعي إلى تحقيق الذات وعبارة «تكون راجل»، كما يقول أفراد العائلة، تطرق مسامعي.

استمرت الرحلة أكثر من عشر ساعات، وكلما تقدمت الحافلة أحسست بفاصل بين ماض جميل ومستقبل مجهول، إنه «الاعتماد على الذات».

وصلنا في الصباح الباكر وبعد ذلك ذهبت وصديقي طارق لتسلم قرار التعيين. مبروك عليكم «اسبويا». خلتها لأول مرة كلمة إسبانية وسألت الموظف أين توجد «اسبويا»؟ فقال بالقرب من سيدي إيفني. منطقة أيت بعمران الشهيرة.

تملكتني الدهشة والخوف من المجهول، لكني تملكت عزيمتي مرة أخرى وقررت خوض التجربة إلى نهايتها.. فقد ودعت عائلتي وأخذت قرار اللاعودة مهما كان التعيين بعيدا ونائيا.

قضينا تلك الليلة في تيزنيت، على أساس أن غدا مع بزوغ الشمس سنسافر إلى اسبويا عبر مدينة كلميم نظرا لوجود وسائل النقل أكثر. ذهبنا إلى الدكان واقتنينا وسائل الحياة من الشاي والسكر، والدقيق والبن، وعلب الحليب المعقم وقنينة غاز.

وصلنا كلميم والتقينا بـ«الشريف»، سائق «اللوندروفير»، الذي أبلغه المدير سلفا بقدومنا.

سألناه عن مجموعة مدارس «الفضيلة». فقال نعم: «تلك طريقي». سألناه عن الماء والكهرباء، و«الريزو» (شبكة الهاتف النقال) والطريق المعبد، فكانت أجوبته كلها سلبية. كان كمن يطلق الرصاص على صدري. كيف سنعيش هناك؟ لا ثلاجة ولا تلفاز، ولا هاتف ولا ماء ولا أبسط شروط الحياة..

نصحنا بشراء قنينات الماء للشرب لأن المياه المستعملة محليا من بقايا أمطار السنة الماضية، يتم تجميعها في «مطفية»، وهي عبارة عن بناء تحت-أرضي من الإسمنت به فوهات علوية تسمح بمرور الماء.

وصلنا إلى مقر العمل بعد أن قطعنا قرابة أربعين كيلومترا في طرق غير معبدة. كانت صدمتي كبيرة. فهذه أول ليلة سأقضيها في البادية. تتراءى أمامي صور العائلة، وخاصة أمي التي كانت تعد لي يوميا «المسمن» وإبريق الشاي بالنعناع بعد عودتي من الثانوية في السادسة مساء.

أسدل الليل ظلامه وقضينا ليلتنا الأولى بسكن المدرسة، الذي هو عبارة عن بيت كبير مبني من الحجار المحلية. قمنا بتنظيفه على عجل ووضعنا أمتعتنا أرضا وخيم الصمت على الجميع. نحن أربعة أساتذة. وضعنا أسرتنا جنبا إلى جنب كأننا نعلن عن الاتحاد ضد قساوة الطبيعة وقساوة الحياة.

السيمو من الدار البيضاء، رضوان من الجديدة، طارق وأنا.

تناولنا بعض الأكل المعد سلفا ونمنا على ضوء الشموع. إنه الواقع الذي لا يرتفع. إنه مشهد الطائر الصغير الذي يغادر عش العائلة لتعلم الطيران. إما أن تكون أو لا تكون. إما أن تتعلم الطيران وتحقق الاستقلال المادي والأسري، وإما الفشل في التجربة والعودة إلى الأسرة. فهل سينجح الأربعة في التأقلم مع الظروف الجديدة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى