حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

18  غشت.. موعد مع القطيع المهمل

نعيمة لحروري

وسط أصوات متباينة ونقاشات محتدمة حول واقع الثروة الحيوانية في المغرب، يخرج إلى الوجود كيان جمعوي جديد  “الجمعية الوطنية لمربي السلالات البلدية” كمبادرة غير مسبوقة، تعكس صحوة جماعية طال انتظارها في صفوف مربي الماشية. ليس مجرد إطار إداري آخر يُضاف إلى رفوف وزارة الفلاحة، بل هو، كما يبدو من تركيبته وتوجهه، صرخة وعي من عمق البادية، وامتداد عملي للتوجيهات الملكية التي طالما دعت إلى إعادة الاعتبار للقطيع الوطني وتثمين الرأسمال الوراثي المحلي.

ما يلفت الانتباه في هذا “المولود الجديد” ليس فقط وضوح رؤيته الاستشرافية، بل طبيعته الجامعة التي تنبذ الإقصاء وتؤسس لثقافة التعاون والعدالة المجالية في القطاع. فمنذ الإعلان عن عقد جمعه العام التأسيسي يوم الاثنين 18 غشت المقبل، أبدى المئات من المربين، من كل جهات المغرب، حماسا لافتا للانخراط، وكأنهم يقرؤون فيه أخيرا صدى لأصوات ظلت لسنوات خارج رادار السياسات العمومية.

لقد جاءت هذه المبادرة في ظرف دقيق، حيث تواجه السلالات المحلية الأصيلة تهديدات حقيقية بالانقراض بسبب التغيرات المناخية، وندرة الموارد العلفية، وانسداد أفق الدعم للفلاحين الصغار. والمفارقة أن هذه السلالات، رغم هشاشتها الظاهرة، تمثل كنزا وراثيا غنيا تأقلم مع قسوة الطبيعة، وبات يشكل اليوم إحدى ركائز السيادة الغذائية والأمن البيئي للمملكة.

المشروع إذن لا يتحدث فقط عن “الماشية”، بل يعيد الاعتبار للإنسان الذي يربيها، للكساب البسيط الذي قاوم الإقصاء والتهميش لعقود. ومن بين أهدافه الطموحة: تمكين المربين من آليات الدعم، وتعميم التكوين، وتيسير الولوج إلى البيطرة والأعلاف، وإطلاق منصة رقمية وطنية تربط المربي بالزبون والخبير، وتعيد تنظيم السوق ضمن قواعد شفافة تُرسّخ الثقة بين المنتج والمستهلك.

والأهم من كل هذا، أن المشروع يقترح تصنيف القطيع المغربي إلى فئتين: “نقي 100%” و”موجه للتهجين”، في خطوة جريئة تضع حدا للفوضى التي أغرقت القطاع وطمست خصوصيات السلالات المحلية.

هنا لا نتحدث عن أحلام طوباوية، بل عن برنامج عملي يستند إلى تشخيص دقيق لواقع القطاع، ويقترح حلولا واقعية قابلة للتنفيذ، خاصة في ظل توفر الإرادة السياسية، وتنامي وعي المربين، واستعدادهم للمشاركة الفعلية بعيدا عن منطق الزبونية أو الولاءات الظرفية.

إن هذا الإطار الوطني الجديد، إذا ما حافظ على استقلاليته ووضوح أهدافه، قد يكون نقطة تحول في علاقة الدولة بالمربي، وفي نظرة المجتمع للكساب. لكن النجاح لا يقاس فقط بالنوايا، بل بالقدرة على التسيير الديمقراطي، والتأطير العلمي، والحكامة الجيدة، وحماية هذه المبادرة من أي اختراق بيروقراطي أو احتواء ناعم قد يفرغها من مضمونها.

دعوة اللجنة التحضيرية إلى جميع الكسابين للانخراط، هي بمثابة إعلان تعبئة وطنية، لا ينبغي أن تبقى حبيسة البلاغات، بل أن تتحول إلى حركة ميدانية تطرق أبواب البوادي والمراعي، تصغي لهموم المربين، وتمنحهم أدوات الإنتاج والمعرفة والمرافعة.

ولعل أكبر تحدٍّ ينتظر هذا الإطار، هو أن يظل وفيا لمن أسّسوه من الميدان، وأن يحرص على أن يكون صوت الكسّاب لا صدى للإدارات، ورافعة للعدالة المجالية لا واجهة للتمويلات العابرة.

نحن اليوم أمام فرصة تاريخية لإعادة الاعتبار لقطاع تربية الماشية، ورد الاعتبار لأناس عاشوا وماتوا في صمت.. يرعون قطيع الوطن، بصبر، وكرامة.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى