
محمد اليوبي
حصلت «الأخبار» على وثائق وتفاصيل فضيحة السطو على مسبح عمومي بمدينة فاس ممول من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وتحويله إلى استثمار خاص من طرف جمعية يترأسها المدير العام للمصالح بالجماعة، وهي فضيحة شبيهة بتلك التي وقعت بمدينة سيدي قاسم بتحويل مركز للشباب إلى فندق خاص، وأطاحت بعامل الإقليم ومنتخبين كبار صدرت في حقهم قرارات العزل.
استغلال قبل المصادقة والتأشير
كان الوالي السابق بالنيابة لجهة فاس مكناس، خالد الزروالي، وجه استفسارا إلى عمدة المدينة، عبد السلام البقالي، أشار فيه إلى أن المسبح المغطى «القرويين» التابع لنفوذ مقاطعة زواغة تم الشروع في الاستفادة من خدماته وتسيير مرافقه من طرف جمعية المغرب الرياضي الفاسي للسباحة، علما أن مقتضيات الفصل العاشر من الاتفاقية المبرمة بين جماعة فاس والجمعية المذكورة، تشير إلى أن دخول هذه الاتفاقية حيز التطبيق سيكون بعد المصادقة عليها من طرف رئيس الجماعة والتأشير عليها من طرف والي الجهة.
وأكد الوالي، في استفساره، أن مقتضيات الفصل الخامس من الاتفاقية المذكورة تشير إلى التزامات «جمعية المغرب الرياضي الفاسي» المتعلقة بالتكوين المجاني للأطفال المنتقين من الأحياء المستهدفة، إلى جانب استفادة أطفال وشباب نزلاء مؤسسات الرعاية الاجتماعية بالمجان، في حين يتم استغلال المسبح المذكور حاليا من طرف القطاع الخاص الذي يقدم خدماته للاستفادة من ولوجه مقابل مبالغ مالية لشرائح اجتماعية لا تندرج ضمن الفئات المستهدفة من خلال إنجاز هذه المنشأة الرياضية في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
ومباشرة بعد توصله بالاستفسار، سارع العمدة البقالي إلى إصدار قرار بإغلاق المسبح، لكن هذا القرار كشف عن فضيحة أخرى مرتبطة بالاتفاقية التي تم الاستناد إليها لاستغلال المسبح. فحسب المادة الخامسة من الاتفاقية، فإن الجمعية، التي يترأسها المدير العام للمصالح بالجماعة، محمد الذهبي، تلتزم بتعليم وتكوين أطفال بالمجان يتم انتقاؤهم من الأحياء المستهدفة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بالإضافة إلى استفادة أطفال وشباب نزلاء مؤسسات الرعاية الاجتماعية كذلك بالمجان، لكن الجمعية، منذ الشروع في استغلال المسبح، فرضت مبالغ مالية على المستفيدين تتراوح ما بين 1800 درهم للأطفال و2500 درهم للكبار، ما يطرح أسئلة حول مدى قانونية استخلاص هذه المبالغ.
هذه الاتفاقية المزعومة التي جرى، بموجبها، السطو على المسبح، استندت على مقرر صادر عن المجلس الجماعي في دورة أكتوبر لسنة 2018، يتعلق بتوقيع اتفاقية شراكة بين الجماعة والجمعية لتسيير المسبح. وبالعودة إلى هذا المقرر، الذي صادق عليه المجلس بإجماع أعضائه، يتضمن ملاحظة لرئيس المجلس السابق عن حزب العدالة والتنمية، إدريس الأزمي الإدريسي، يقول فيها إن هذه الاتفاقية مرتبطة بإنهاء إنجاز المسبح، باعتبار أنه كان في طور الإنجاز، واشترط عرض الاتفاقية بعد الإنجاز على الهيئة المكلفة بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية للبت النهائي في طريق التسيير.
شبهة تزوير وثيقة للسطو على المرفق
الخطير في الأمر أن إدريس الأزمي تبرأ من هذه الاتفاقية، ونفى توقيعه عليها بشكل نهائي، حسب ما أكده مصدر مقرب منه، ما يستدعي فتح تحقيق حول وجود شبهة تزوير هذه الوثيقة واستعمالها في السطو على مرفق عمومي ممول من المال العام، كما أن هذه الاتفاقية غير مؤشر عليها من طرف والي الجهة، خلافا لما ينص عليه القانون التنظيمي للجماعات، بكون مقررات مجالس الجماعات الترابية المتخذة تخضع للتأشير عليها من طرف العامل أو الوالي، ولا تكون مقررات المجلس قابلة للتنفيذ إلا بعد التأشير عليها من قبل عامل العمالة أو الإقليم.
وحسب الوثائق، فإن العقار المتواجد عليه «مسبح القرويين» تابع لأملاك الدولة ورقم رسمه العقاري هو P1F7842، ويدخل المسبح ضمن الأجزاء المشتركة للتجزئة الجماعية القرويين ذات الرسم العقاري 07/66991، ويحظى بالتخصيص (SP33) حسب مقتضيات تصميم التجزئة المرخصة، ويعني منطقة خاصة بالملاعب الرياضية، وتم إنجاز هذا المسبح في إطار اتفاقية شراكة بين الجماعة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. وحسب المادة الخامسة من الاتفاقية، فإن الغلاف المالي الإجمالي لإنجاز المشروع بلغ 400 مليون سنتيم، ساهمت فيه الولاية بمبلغ 300 مليون سنتيم في إطار البرنامج الأفقي للمبادرة، وساهمت الجماعة بمبلغ 100 مليون سنتيم، مع التكفل بمصاريف التسيير والاستغلال والصيانة، والتزمت بتعليم وتكوين 100 طفل من الأحياء المستهدفة في إطار المبادرة بالمجان، واستفادة أطفال وشباب نزلاء مؤسسات الرعاية الاجتماعية، وذلك عن طريق التفويض لجمعية من المجتمع المدني.
وسبق لقضاة المجلس الجهوي للحسابات بفاس، في إطار مهامهم الرقابية بجماعة فاس، أن طالبوا قسم التعمير والممتلكات والمرافق الجماعية، بإحضار الملف القانوني للعقار المحتضن للمسبح وكذا التصميم المرخص وشهادة المطابقة واتفاقية الشراكة مع قسم العمل الاجتماعي للولاية ومحاضر الدورات المتعلقة بتفويت تدبير المرفق مع الجمعية التي عهد إليها تدبير هذا المرفق الجماعي، لكن لم يتم العثور على أية وثيقة لهذا الملف في أرشيف مصلحة الممتلكات والتعمير، وهو ما دفع برئيس القسم إلى تقديم طلب إلى العمدة لإعفائه من مهامه، بسبب تعرضه لضغوطات من طرف المدير العام للمصالح باعتباره الطرف المستفيد من الاتفاقية، وهو الذي هندس تفاصيلها. وأكدت المصادر أن هذا المرفق لم يحصل على شهادة المطابقة التي بموجبها يمكن تشغيل هذا المرفق وفتحه للمرتفقين موضوع الاتفاقية.
نافذة
سارع العمدة البقالي إلى إصدار قرار بإغلاق المسبح لكن هذا القرار كشف عن فضيحة أخرى مرتبطة بالاتفاقية التي تم الاستناد إليها لاستغلال المسبح





