
أكادير: محمد سليماني
إذا كانت مشاريع برنامج التنمية الحضرية 2020- 2024 لأكادير لامست بعض الأحياء بالمدينة، فإن أحياء أخرى يكاد يكون نصيبها العدم من هذا البرنامج. النموذج نسوقه من حي «تدارت» التابع للجماعة الترابية لأكادير، حي يؤوي كثافة سكانية كبيرة، غير أن البنيات الأساسية بهذا الحي شبه منعدمة، فأزقته ما تزال من التراب وبناياته عشوائية، وشوارعه محفرة إلى درجة أن البعض يعتبر أنه غير تابع لجماعة أكادير. وأنت تتجول بين أشطر الحي، لن تعدم عيناك رؤية أكواخ للدجاج بين منازل السكان وأغناما طليقة تبحث عن القمامة في حاويات الأزبال.
حي على أنقاض الصفيح
قبل عقود لم يكن حي «تدارت» موجودا، وحتى المنطقة التي أنشئ فيها كانت خلاء خاوية على عروشها، غير أنه بعد اعتماد الحكومة قبل عقود برنامج مدن بدون صفيح، كانت أكادير، وخصوصا حي «أنزا» القديم يؤوي مئات مساكن الصفيح. ونظرا لرغبة الحكومة آنذاك في القضاء على هذا النوع من السكن غير اللائق، تم توزيع بقع أرضية على المستفيدين، بحي أطلق عليه «تدارت». ويبدو أن هذا الحي أنشئ على عجل، إذ الرغبة كانت آنذاك هدم مساكن الصفيح وتحويل قاطنيها إلى مكان آخر، خصوصا وأن صفيح «أنزا» كان على الطريق الوطنية الرابطة بين أكادير والصويرة، وعلى مقربة من الشاطئ وميناء أكادير، بمعنى أنه كان في الواجهة أمام الأعين والنظار. عندما تم تحويل قاطني الصفيح إلى حي «تدارت»، جرى تحويلهم إلى مكان بعيد عن الواجهة، فظل الحي على حاله، وكأن السلطات والجماعة الترابية لأكادير نسيته ونسيت أهله هناك.
«إندرايف» ينقذ السكان
يبدو البحث عن سيارة أجرة كبيرة أو صغيرة الحجم بحي «تدارت» أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش. لا وجود لأثر لأي سيارة أجرة سواء بين أشطر الحي أو بالشارع الرئيسي. كانت معاناة السكان كبيرة جدا لعقود بسبب غياب سيارات الأجرة، وعدم وجود خطوط لحافلات النقل الحضري، التي ستنقل المواطنين من الحي إلى وسط أكادير الذي لا يبعد عنه سوى بدقائق معدودة، وتسببت هذه المعاناة للكثير في الرحيل ومغادرة الحي. وأخيرا، وبظهور النقل بواسطة التطبيقات، بدأ عشرات الشباب، المتوفرين على سيارات نفعية خاصة، يشتغلون في نقل المواطنين من وإلى أكادير، رغم المضايقات الكثيرة التي يتلقاها هؤلاء. فرغم وجود أسطول كبير لسيارات الأجرة من الصنفين الأول والثاني بمدينة أكادير، إلا أن أصحابها يمتنعون عن العمل بخط أكادير- تدارت. ورغم المعاناة الكبيرة والشكايات العديدة التي رفعها السكان، لم تستطع عمالة أكادير- إداوتنان وجماعة أكادير إحداث محطة لسيارات الأجرة بالحي، وإرغام سيارات الأجرة على تنشيطه إسوة بباقي الخطوط.
الحفر تغزو الطرقات
لم تعرف شوارع وأزقة حي «تدارت» أي تجديد وتأهيل منذ أن بنيت قبل عقود عندما كان الحي عبارة عن تجزئة فقط. تم وضع الشوارع على عجل وتقسيم الطرقات بسرعة، وتم وضع الإسفلت للإيحاء بأن الأمر يتعلق بحي جديد، وبمقومات الحياة كلها، غير أن الواقع سرعان ما كشف العكس، ظل ذلك الإسفلت يتآكل يوما بعد يوم، حتى صارت الشوارع عبارة عن حفر متتالية بعضها عميقة لا يمكن عبورها، وربما ذاك هو السبب الذي جعل أصحاب سيارات الأجرة من الصنف الثاني يرفضون الوصول إلى هذا الحي. لم يعرف هذا الأخير أي تأهيل أو تهيئة، وكأنه عالة على الجماعة الترابية لأكادير، حتى المرافق العمومية التي تم تشييد بعضها بالحي، ظلت مغلقة، كما هو الشأن بالنسبة للمركز صحي، والمركب السوسيو رياضي، وفضاء الصحة للشباب والمركب الثقافي. كما يفتقر الحي إلى سوق نموذجي وإلى سوق أسبوعي، ومفوضية للشرطة. أما فضاءات الترفيه والاستجمام، فلا وجود لها بتاتا، رغم أن بعضها مثبت في التصميم الهيكلي للحي، كما هو الشأن بمساحة خضراء بالزنقة رقم 15 وسط الشطر (د). وحدها الثانوية التأهيلية الوحيدة التي بنيت كذلك تحت الضغط، أصبحت اليوم تضيق بتلامذتها، دون أن ترى النور الثانوية التأهيلية الأخرى التي يقال إنها ستبنى بالحي لتخفيف الضغط. وهذا الاكتظاظ في المؤسسات التعليمية الابتدائية والإدارية والثانوية يعود بالأساس إلى تشييد مجموعة من الوحدات السكنية، دون أن يتم تشييد المرافق الحيوية الضرورية.
المقالع والمطارح تحيط بالحي
تحيط المقالع والمطارح بحي تدارت من كل جانب. فالمنطقة محاذية للجبل من جهة والسفح من جهة ثانية، لذلك تحولت مناطق كثيرة بها إلى مقالع للرمال والحجارة التي تستعمل للبناء وتوفير مواد البناء لمشاريع برنامج التنمية الحضرية لأكادير. فعلى طول الطريقين المؤديين إلى تدارت سواء من جهة أنزا أو من جهة مدارة ساحة سيارات الأجرة الجديدة قرب سوق السمك، تصطف على الطريق مجموعة من شاحنات الوزن الثقيل، بعضها قادمة من جهة تدارت محملة بمواد البناء إلى وسط أكادير، وأخرى تسير في الاتجاه المعاكس محملة بمخلفات مواد البناء، من أجل التخلص منها بحي تدارت. هذه الشاحنات تسبب ارتباكا كبيرا على الطريق، وساهمت بشكل كبير في إفساد الطريقين المؤديين إلى تدارت بسبب وزنها الثقيل جدا، ناهيك عن المشاكل التي تسببها على طول الطريق بسبب كثرتها. فقبل أيام قليلة فقط تسببت في حادثة سير مروعة على مستوى المرتفع المؤدي إلى الحي من جهة حي أنزا، إلى درجة أن الطرقات المؤدية إلى الحي صارت توصف بطرق «الموت». أما المقالع والمطارح المنتشرة بكثرة، فليس للحي منها سوى الغبار والروائح الكريهة، ومضاعفة آلام المرضى.





