حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

جماعات للبيع وقانون بلا أنياب

 

نعيمة لحروري

 

 

في هذه البلاد العجيبة، حيث تتحول المسؤولية إلى صك غفران مسبق، وتتحول الانتخابات إلى مزاد علني على “كعكة الوطن”، لا عجب أن نرى فقراء الأمس، الذين بالكاد يملكون حذاء محترما يوم التصويت، يتحولون في أقل من دورة انتخابية إلى أصحاب هكتارات، وملاك “فيلات”، وسماسرة الحظ العاثر لشعب صدّق ذات ديمقراطية.

رؤساء جماعات، نوابهم، ومستشارون يتقنون فن القفز على القانون، وتطويعه كما تطوع الجلود على كراسيهم الوثيرة. رجال ونساء دخلوا قاعات الجماعات بثياب رثة، وخرجوا منها بعد سنوات بكروش منتفخة وعقارات مشبوهة، وأراض تفقس كل صباح ملايين الدراهم.

ولأن الغش عندنا لا يُتقن التخفي، فإن لجان التفتيش – التي نستدعيها دوما بعد أن تقع الفأس في الرأس – قد شمّت روائح “زيت المال العام” الذي قُليت فيه ضمائر بعض المنتخبين. تقارير ثقيلة، مثقلة بالفضائح، كشفت عن اختلالات في التفويت، وعن عائلات بأكملها تحولت من نسب بسيط إلى نسب عقاري، صعد في سُلم المال بسرعة تفوق سرعة الضوء.

بعضهم باعوا أراضي البلديات في صفقات “عائلية”، بأسماء الزوجات والأصهار، ثم اقتنوا هكتارات على هامش المدن الكبرى، وحولوها بسحر نفوذهم إلى تجزئات صناعية، دون تخطيط، دون احترام للمجال، ودون استحياء. مجرد توقيع هنا، ورخصة هناك، و”تفاهم” من تحت الطاولة، يكفي ليتحول حقل الشعير إلى ورش إسمنتي عشوائي، مؤجر لأغراض فلاحية في الظاهر، ومضاربة مالية في الباطن.

والأدهى من ذلك، أن بعض هؤلاء المسؤولين تحركوا قبل نهاية ولايتهم للتخلص من “الأدلة”، فباعوا ممتلكاتهم المشبوهة، أو نقلوها لأسماء جديدة من العائلة، في رقصة ما قبل العزل! وكأن المحاسبة مجرد نكتة موسمية تُروى على رصيف المجالس.

أين التصريح بالممتلكات؟ أين القانون الذي يلزم المنتخبين بالكشف عن ممتلكاتهم في بداية مهامهم ونهايتها؟ أين المجلس الأعلى للحسابات الذي يصدر تقارير جميلة تقرأ في الصحف ثم تطوى في الأدراج؟ ألم يقل القانون إن المسؤولية تقترن بالمحاسبة؟ أم أن بعض الفصول تصلح فقط لخطابات التأطير السياسي، لا لتأطير من راكم الثروة باسم الشعب؟

المادة 70 من القانون التنظيمي تمنح الدولة حق العزل، ولكن العزل عندنا يأتي متأخرا، ويُنفّذ على الصغار، بينما الكبار يخرجون من الأبواب الخلفية، وقد بدّلوا الجلد، والعنوان، وحتى الهوية الانتخابية.

الغريب أن المنتخبين المتورطين لا زالوا يظهرون في اللقاءات الرسمية، مبتسمين، يوزعون الوعود على سكان لا يملكون غير الانتظار. يجلسون خلف ميكروفونات الاجتماعات ويخطبون عن الشفافية وهم في قلوبهم يتفاوضون على صفقة جديدة.

لقد تحول المال العام إلى فرصة شخصية للثراء، وتحولت الجماعات إلى مزرعة خاصة يحرث فيها المنتخبون ما شاؤوا من منافع، دون حسيب أو رقيب. المواطن يكتفي بالفرجة، والإدارة تكتفي باللجان، والصحافة تُفرغ تقارير التفتيش من كل دهشة، لأن الفضيحة أصبحت خبرا عاديا!

لكن التاريخ لا ينسى. ومن خان الأمانة اليوم، سيقف غدا أمام مرآة ضميره – إن تبقى له ضمير – وسيفهم متأخرا أن الغنى الحقيقي ليس في العقارات، بل في أن تمشي بين الناس دون أن تبصقك الذاكرة الجماعية!

وحتى ذلك الحين، سنظل نردد في مرارة: نعم، المسؤولية مرتبطة بالمحاسبة، لكن فقط في دفاتر القانون، لا في واقعنا الذي صار فيه المال العام مرادفا للاغتناء الخاص.. والفساد صار وجهة نظر، لها مدافعون، ومستشارون قانونيون.. وحتى ناخبون أوفياء..!

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى