حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

جيل «يُفترض» أن يكون..

 

 

يونس جنوحي

 

في حال ما إن كان هناك أحد ينتبه في هذا البلد إلى الشأن الثقافي، فإن «الدخول» هذه السنة باهت جدا.. ولم يُسجل، إلى حدود الآن، أي حدث يشرف الدخول الثقافي، رغم أننا صرنا في أكتوبر..

الأمر مفهوم، ما دام الكتاب والثقافة آخر ما يشغل بال الرأي العام. الناس يتابعون أسعار الذهب، ويستغربون كيف أن هذا المعدن النفيس، الذي يجب أن يُمزج بمعدن آخر لكي يصبح صالحا للاستعمال، وصل سعر «الغرام» الواحد منه إلى سقف غير مسبوق تاريخيا.

الناس منشغلون بأخبار أسعار المدارس الخاصة وشروط التسجيل في المعاهد الخصوصية، وكأن كل ما هو «عمومي» انقرض في هذا البلد.

لا يوجد عرض مسرحي واحد يهتم بما يجري في الشارع، أو ينقل مشاغل الناس والتحديات اليومية التي تواجههم.. قطيعة كبرى مع الكتاب.. ومثقفون حقيقيون في طور الانقراض.

الرأي العام يتابع انشغالات المؤثرات، الحوامل منهن والأمهات، وجديد الموضة وطاحونة الاستهلاك التي لا تتوقف عن الدوران.

التلفزيون العمومي فُتح أمام جيل من الشباب الجدد الذين لا يعرف أغلبهم أي شيء عن عناوين الصحف ولا آخر إصدارات الدراسات السياسية ولا الفكرية.. جيل عازف تماما عن كل ما يحيط به في الواقع. جيل لا يعرف إلا الهواتف والشاشات التي تعمل باللمس.. حتى التنسيق لإطلاق المظاهرات يتم داخل تطبيق لم يسمع به أحد من قبل ولا يعرفه إلا هؤلاء الذين يُسمون «جيل Z».

أكبر إهانة يمكن أن تُوجه إلى جيل هي أن يُختزل في حرف في ذيل قائمة الحروف الأبجدية اللاتينية.. أما أسطورة «الجيل المُختلف»، فلا تزال تتكرر قبل الاستقلال.

عندما شاخ مؤسسو الحركة الوطنية والعمل السياسي الذي انطلق سنة 1937، وُصف جيل «الاشتراكيين» و«الثوريين» بالجيل الهجين الذي درس في فرنسا.. كان القدامى يسخرون منهم ويصفونهم بأن أرجلهم «معنا» في التراب ورؤوسهم تعانق ضباب باريس..

بعد هذا جاء جيل الناقمين على من سبقوهم.. وصفوهم بالانتهازيين، وهؤلاء وصفوا الجُدد بـ«الضائعين».

جيل «العاطلين» الذين تظاهروا أمام العمالات والبرلمان، وفروا بين الأزقة حتى لا يتذوقوا هراوة «المخازنية»..

وهؤلاء، عندما أدمجوا مع بداية الألفية في الوظيفة العمومية، وظهر منهم «العَرضيون»، و«أساتذة سدد الخصاص» وضحايا «السُلم».. أصبحوا ينظرون إلى من بعدهم من الأعلى..

جاء دورنا نحن، جيل نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات.. تعرفنا على الأنترنت، و«المُنتديات».. وتخرج منا من قرصنوا اشتراك قنوات الصحون اللاقطة.. وأصبح ممكنا الزواج بالأجنبيات دون الحاجة إلى زيارة أوروبا.

عندما أزال أغلبنا «الكاصك» وأطفؤوا «كاميرا» الدردشة.. اكتشفوا أن الوقت مر وأن العالم «هرب» بعيدا..

الجيل الجديد، جيل إخواننا الصغار، وُلدوا في سياق آخر تماما.. لم يتعرفوا على جيل من ورثوا الأحزاب. لم يتواصل معهم أحد. لا يعرفون دور الشباب، ولا «الأمسيات».. جاؤوا في زمن الإفلاس الذي يحل فيه أكتوبر دون أن يُعلن عن كتاب جديد أو مسرحية جديدة.. جاؤوا في وقت «الافتراضي»، حيث يُفترض أن يكون وضعهم أحسن مما هم عليه..

جيل واحد توارث «المشعل» بثقة من يد إلى يد.. جيل «الشغب» والفوضى الذين رأيناهم يدمرون الممتلكات ويضرمون النار في الممتلكات.. جيل من أصحاب «البذل الرياضية» الذين توارثوا الحقد على الجميع -وأغلبهم لم يعودوا قاصرين-.. يستغلون أي حدث لكي ينفجروا في الشارع. لا فرق عند هؤلاء بين مباراة لكرة القدم ومسيرة سلمية يطالب الخارجون فيها بالعيش الكريم.

عندما نعرف كيف انقطع ذلك الخيط الناظم الذي يفترض أن يمتد من جيل العائدين الأوائل من الدراسة بالخارج، وبين الجيل الحالي.. سنعرف لا محالة كيف تكون هذا الفريق الذي يحمل السيوف وينتظر أول فرصة لتهشيم زجاج السيارات. الأمر بهذه البساطة.

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى