
يونس جنوحي
يحكي السفير محمد التازي كواليس المقال، الذي أوردته صحيفة «نيويورك تايمز» على صدر صفحتها الأولى، يوم 22 نونبر 1982، والذي أغضب عددا من السفراء ووزراء الخارجية العرب.
كان التازي حاضرا في كندا، بأمر مباشر من الملك الراحل، ليلقي كلمة هناك باسم الجامعة العربية، في ما عُرف بـ«مؤتمر الخريجين العرب في القارة الامريكية».. لكن ما وقع داخل القاعة جعل «نيويورك تايمز» تكتب المقال، و«الأشقاء العرب» يغضبون.
هنا يشرح لنا السفير محمد التازي ما وقع والأجواء التي ألقى فيها كلمته باعتباره سفيرا للملك الحسن الثاني أولا، ثم ممثلا للجامعة العربية. يقول:
«كان ترتيبي في الحديث الثاني بعد ممثل الحكومة الكندية، وحين تقديمي للحاضرين، صفق بعضهم، وأمسك معظمهم عن الترحيب بهذا القادم من قارة أخرى، ومن عالم غير عالمهم. وفتحت أوراقي وشرعت في تلاوة ما سهرت ليلة أكتبه لمن لا أعرف أفكارهم، ولا ميولهم ولا اتجاهاتهم، وإنما هو واجب من هذه الواجبات التي لا مناص للإنسان من تحملها، وبدأت حديثي بنقل تحيات جلالة الملك الحسن الثاني، الذي شرفني باعتباره رئيسا للقمة العربية، بأن أمثل الدول العربية قاطبة في هذا المؤتمر، وأنه «في هذه اللحظة التي أتحدث إليكم فيها، فإن جلالته في البيت الأبيض يرأس وفدا من الدول العربية ليشرح للرئيس الأمريكي خطة فاس، وهنا تعالت أصوات من جنبات القاعة بالصفير والصراخ، تهتف بما اعتبرته مسا بكرامة وطني ورمز سيادته، فأمسكت عن الحديث، أنتظر صمتهم، ولكنهم أصروا على استثارتي لأترك المنصة، فعاملتهم بنقيض قصدهم، فقد طويت أوراقي وارتجلت كلمة..».
والبقية جاءت في مقال «نيويورك تايمز»، الذي أشرنا إليه سابقا. لكن، هنا، يشرح التازي ما عاشه في تلك اللحظات العصيبة التي كان يتعين عليه التعامل معها بعيدا عن أي حساسية شخصية، وأن يستحضر الصفة الرسمية التي حل بها بين الحاضرين. يواصل: «وما كدت أنتهي حتى التهبت أكف الحاضرين بالتصفيق بضع دقائق كما جاء في مقال «نيويورك تايمز»، ثم واصلت من جديد حديثي عن المشروع العربي، وعن جهود جلالة الملك في قمة فاس الأولى عام 1981، والثانية بعدها بسنة، وعمله المتواصل مع القادة العرب من أجل قضية فلسطين، وتغير الموقف مني، وجاءتني بعد الجلسة وفود تعتذر، وتشكو من أنهم لا يعلمون ما يجري في العالم العربي، فلا السفراء العرب يهتمون بهم، ولا مكاتب الجامعة العربية تقوم بالواجب، وتلقيت عدة دعوات من ممثلي الجاليات العربية، في عدد من المدن الكندية، فلبيت منها ما سمحت به ظروفي في أوتاوا وتورينتو.
وبعد اتصالات السفير «زنطار» ومدير مكتب الجامعة العربية في كندا، أرسلت للأستاذ امحمد بوستة رسالة أذكره فيها بالمذكرة التي بعثتها للوزارة عقب عودتي من الرحلة، عن المؤتمر وما حدث فيه، تفاديا لأي فهم خاطئ لمقال الجريدة الأمريكية، مشيرا إلى الاهتمام الذي أبداه سفراء جلالته بالمقال وتسارعهم إلى تقصي أخبار المؤتمر بعد شهر من انعقاده!».
بعد هذا كله، كان على التازي أن يتعامل مع تداعيات الموقف. كان وقتها يشغل منصب سفير المغرب في تونس، وكان الحسن الثاني قد حل بالولايات المتحدة الأمريكية في ضيافة الرئيس «دونالد ريغان»، وكان الملك الراحل أمر التازي بمجرد ما أن ينتهي من مهمته في كندا، بأن يتوجه رأسا إلى نيويورك للالتحاق بالوفد المغربي في الأمم المتحدة.





