حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأي

شروط كوفيد على البشرية

مالك التريكي

يبدو أن لهذا الفيروس المخاتل خطتين اثنتين. واحدة موجهة لعموم الناس، وأخرى لا تستهدف إلا نوعا محددا من الحكام. حيث يبدو أن الوباء يقف من عموم الناس موقفا عشوائيا لا تمييز فيه بين الفئات والطبقات والمراتب والمقامات، ولا اعتبار فيه للخصائص الثقافية أو السوسيو ـ ديموغرافية. أما الحكام، فالبادي أن الوباء قرر ألا يستهدف منهم إلا الذين تهاونوا في المسارعة باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقاية شعوبهم منه، أو الذين استخفوا به باعتباره مجرد زكام عادي أو باعتباره عديم الوجود أصلا. ولهذا تجد أن الفيروس قد تخطى جميع الحكام شرقا وغربا ليتجه مبكرا إلى بوريس جونسون في بريطانيا، قبل أن يثني بجايير بولسونارو في البرازيل، ثم يتفقد دونالد ترامب في أمريكا. ومعروف أن البريطاني والبرازيلي قد خرجا من المحنة ناجيين، مما يعني إما أنهما أصيبا بنوع خفيف من المرض، أو حظيا بعلاج فائق النجاعة لا يحظى به عموم الناس. أما حالة الأمريكي فيبدو أنها لا تزال مفتوحة على الاحتمالات، رغم أن العلاج الاستثنائي الذي أسعف به مجانا كان سيكلف أي مواطن عادي أكثر من مائة ألف دولار.
فهل إصابة أشد الحكام استهانة بالفيروس أو إنكارا لوجوده مجرد صدفة، أم أنها يمكن أن تنطوي على دلالة سياسية؟ من السهل طبعا تعليق الأمر على مشجب الصدفة. ولكن أليس من المحتمل أيضا أن الفيروس أراد أن يبث رسالة؟ لعله أراد أن يقول: صحيح أن هذا العصر حقق نبوءة جورج أورويل عن دخول بعض المجتمعات طورا من الزيف والخوف يسمح للحاكم لا بالسيطرة على السياسة والاقتصاد فحسب، بل وبالتحكم في العقول والضمائر أيضا. وصحيح أن هذا الطور التكنولوجي الجديد، قد أتاح من أدوات الضبط وخوارزميات التلاعب والتلبيس ما يجعل الحاكم في غنى عن إنشاء «وزارة الحقيقة»، التي تخيلها أورويل.
يكفيه أن يكذب ويكذب ويصيح: «أنباء زائفة! أنباء زائفة». لعل الفيروس أراد أن يقول: صحيح أن الطور التكنولوجي الجديد قد جرأ الحاكم المسلح بقوة الجهل على أن يعاند حقائق العلم وأن ينقض قرونا من الثورات المعرفية بأمره السلطوي وبمزاجيته الصبيانية، ولكني قررت أن أضع حدا لهذا العبث، فأثأر للعلم في عقر بيت الجهل وأكذب الكاذبين وأفضح المنكرين.
بل إن من المحتمل أن الرسالة التي أراد أن يبثها فيروس كوفيد، باستهدافه للحكام الثلاثة الطاعنين في الخفة والطيش والموغلين في الانحياز للإيديولوجيا ضد العلم وللبروباغاندا ضد الإعلام، لا تقف عند حد الدلالة السياسية، وإنما تنطوي أيضا على دلالة علمية! أما القصة التي قد توضح ذلك، فهي ما رواه نعوم تشومسكي من أن عالم الأحياء أرنست ماير قدر عدد الأنواع التي وجدت، منذ بدء الحياة على كوكب الأرض بحوالي خمسين مليار نوع، وقال إن نوعا واحدا من هذه الأنواع جميعا تمكن من بلوغ مستوى الذكاء اللازم لإنشاء الحضارة، ولو أن هذا لم يحصل إلا في الثواني الأخيرة من عمر الكون، أي قبل حوالي مائة ألف عام فقط. ويرى ماير أن التطور، أو الاصطفاء، الطبيعي لا يميل إلى تسهيل ظهور الشكل البشري من التنظيم الفكري، الذي يسميه الذكاء الأعلى، بل إنه يفضل الأشكال الأخرى.
ولهذا يقرر ماير أن تاريخ الحياة على كوكب الأرض يدحض المقولة الشائعة بأن «من الأفضل للكائن أن يكون ذكيا من أن يكون غبيا»، على الأقل إذا قيس الأمر بمقياس النجاح البيولوجي: ذلك أن الخنافس والبكتيريات، على سبيل المثال، هي أنجح من البشر في معترك القدرة على البقاء. تأسيسا على هذه المقدمات، ينطلق تشومسكي إلى القول بأننا قد وصلنا، في التاريخ البشري، إلى الطور الذي من المحتمل أن يقدم جوابا عن السؤال المتعلق بما إذا كان من الأصلح للكائن أن يكون ذكيا أم غبيا؟
أما لو عاود تشومسكي النظر الآن، فلتبين له أن حل الإشكال ما عاد مجرد احتمال، ذلك أن الجواب قد أتى فعلا. وفحواه أن الأيام الأخيرة أثبتت أن مقولة «الأفضل للكائن أن يكون ذكيا من أن يكون غبيا» مقولة صحيحة بإطلاق. التفصيل الوحيد هو أن الكائن المستحق لأن ينعت بالذكاء، ليس ذلك الذي كنا نظن قبلا: إنه ليس الكائن البشري، خصوصا في صيغته الترامبية، وإنما هي الخنافس والبكتيريات وتلك الفيروسات التي لديها ختم وأسلوب في تسجيل المواقف السياسية!

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى